الفيدرالي الأمريكي يدرس تجاوز التضخم الناتج عن التعريفات الجمركية وسط دعوات لخفض الفائدة

قالت آنا بولسون، رئيسة فرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، إن الزيادات في الأسعار المدفوعة بالتعريفات الجمركية من المرجح أن تثبت أنها مؤقتة، مشيرة إلى أن البنك المركزي يستطيع “تجاوز” هذا النوع من التضخم دون الحاجة لرد فعل صارم في السياسة النقدية. ويأتي هذا التصريح الذي يمثل أكثر تعليقاتها تفصيلاً منذ توليها القيادة في يوليو، ليُلقي ضوءاً جديداً على التوجه السائد داخل الفيدرالي الأمريكي حيال التحديات الاقتصادية الحالية. يجب التمييز هنا بين صدمة سعرية لمرة واحدة (One-off price shock)، والتي تنتج عن ارتفاع مباشر في تكلفة الاستيراد بسبب الرسوم، وبين دورة تضخم مستدامة (Sustained inflation cycle) تتغذى فيها الأجور على الأسعار. وتعتبر بولسون، ومعها غالبية الأعضاء، أن تأثير التعريفات يقع ضمن الفئة الأولى.
كما أعلنت بولسون دعمها الصريح لإجراء المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة هذا العام، وذلك كاستجابة لتباطؤ سوق العمل، وهو ما يعكس تحولاً في أولويات الفيدرالي الأمريكي نحو دعم النمو الاقتصادي بدلاً من التركيز حصرياً على استهداف التضخم قصير الأمد. أما فيما يخص سوق العمل، فإن الدعوة لخفض الفائدة تأتي في ظل مؤشرات مثل تراجع عدد الوظائف الشاغرة وتباطؤ طفيف في نمو الأجور، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية من جانب الطلب آخذة في التخفيف، الأمر الذي يمنح البنك المركزي مساحة أكبر للمناورة لدعم التوظيف.
السياسة النقدية: تبرير خفض الفائدة وموقف صناع القرار
أشارت بولسون في خطابها إلى خبراء الاقتصاد والأعمال في فيلادلفيا إلى أن أسعار السلع قد ارتفعت بالفعل منذ أن بدأت إدارة ترامب بتطبيق تعريفات جمركية جديدة ومشددة في وقت سابق من هذا العام. ومع ذلك، شددت على أن النماذج الاقتصادية تدعم وجهة نظرها بأنه لا يوجد دليل يُذكر يشير إلى أن هذه الارتفاعات ستؤدي إلى دورة مستدامة من ارتفاع الأسعار عبر الاقتصاد بأكمله.
ترتكز هذه النظرة على فهم دقيق لطبيعة التضخم؛ حيث تُمثل التعريفات شكلاً من أشكال تضخم دفع التكلفة (Cost-push inflation)، والذي عادة ما يكون محدود الأثر ولا يؤدي إلى ارتفاع مطرد ومزمن في التضخم الكلي. في المقابل، يخشى الفيدرالي الأمريكي أكثر من تضخم سحب الطلب (Demand-pull inflation) الناجم عن زيادة الإنفاق القوي. إن تبني موقف “التجاوز” (Look Through) يعني أن البنك مستعد لتقبل ارتفاع مؤقت في مقاييس التضخم الرئيسية، طالما بقيت التوقعات التضخمية طويلة الأجل ثابتة. ويعزز موقف باول وبولسون فكرة أن البنك لن يضحي بالنمو الاقتصادي لمواجهة تأثيرات جمركية يعتبرها عابرة.
يتوافق هذا الرأي مع مواقف العديد من المسؤولين الآخرين في الفيدرالي الأمريكي، بما في ذلك المحافظان كريستوفر والر وستيفن ميران. وقد صرح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في الأشهر الأخيرة بأن التعامل مع ارتفاعات الأسعار الناتجة عن التعريفات كأثر لمرة واحدة هو “فرضية أساسية معقولة”. ومن المقرر أن يشارك باول آراءه حول الاقتصاد والسياسة النقدية اليوم في حدث تنظمه الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال في فيلادلفيا، وهو ما يُعد فرصة مهمة للمستثمرين والاقتصاديين لاستخلاص مزيد من الإشارات حول توجهات السياسة النقدية المستقبلية.
التباينات العالمية والطاقة الأمريكية
بينما يميل الفيدرالي الأمريكي نحو تبني سياسة نقدية أكثر تيسيراً كاستجابة للبيانات المحلية، تظهر تباينات واضحة في المواقف العالمية، مما يسلط الضوء على تباين المخاطر الاقتصادية:
- البنك الاحتياطي الأسترالي (RBA): يظهر حذراً شديداً ولا يتعجل في خفض أسعار الفائدة مجدداً، مؤكداً أن قرارات السياسة المستقبلية ستظل تعتمد على تدفق البيانات الاقتصادية. هذا الحذر يعكس ربما مرونة أكبر في سوق العمل الأسترالي أو قلقاً من ارتفاع محتمل في التضخم الأساسي.
- البنك المركزي السنغافوري: أبقى على سياسته النقدية ثابتة، محققاً توازناً دقيقاً بين النمو الاقتصادي الأفضل من المتوقع والمخاطر المتزايدة الناجمة عن التعريفات والتضخم، مما يدل على استجابة أكثر تحفظاً للضغوط التجارية العالمية.
على صعيد الاقتصاد الأمريكي الداخلي، تواجه الإدارة تحديات معقدة في تحقيق أهدافها بزيادة صادرات الغاز الطبيعي وخفض أسعار الطاقة. فمن المتوقع أن تتضاعف صادرات الغاز الطبيعي الأمريكية تقريباً في السنوات الخمس المقبلة، إلا أن الأسعار والتقلبات من المحتمل أن ترتفع أيضاً. ويُعزى ذلك إلى تقدم عمر أحواض الغاز الرئيسية في البلاد والافتقار إلى البنية التحتية المناسبة لنقل الجزيئات إلى حيث تكون هناك حاجة إليها.
وتُعد هذه المعضلة بمثابة سيف ذي حدين؛ فبينما تدعم الصادرات الميزان التجاري، فإن ارتفاع أسعار الغاز وتقلبها داخلياً يفرض ضغوطاً تكلفة إضافية على قطاعات الصناعة والتصنيع الأمريكية، وهي ضغوط لا يمكن للفيدرالي الأمريكي أن يتجاهلها تماماً. إن نقص خطوط الأنابيب والمرافق اللازمة لتحويل الغاز المسال يزيد من تكلفة النقل ويُبقي المخزونات المحلية عرضة للصدمات الجوية والجيوسياسية، مما يُلقي بظلاله على استقرار أسعار الطاقة، الذي يُعتبر عنصراً أساسياً في حسابات التضخم الكلي للبنك.
ختاما يُشير الإجماع المتزايد بين صانعي القرار في الفيدرالي الأمريكي إلى أن التضخم الناتج عن الصدمات الخارجية، مثل التعريفات، لا يستدعي تضييقاً نقدياً، خاصة في ظل وجود أدلة على تباطؤ سوق العمل. ويُعَد دعم بولسون لخفض الفائدة إشارة قوية إلى أن التوجه المستقبلي للبنك يرتكز على ضمان استمرارية النمو الاقتصادي. ستقدم كلمة الرئيس باول اليوم مزيداً من الوضوح بشأن المسار الذي ستتخذه السياسة النقدية الأمريكية في الأسابيع والأشهر القادمة، مع ترقب الأسواق لأي تلميحات حول توقيت وحجم التخفيضات المتوقعة لأسعار الفائدة.
اقرأ أيضا…