الدولار الأمريكي يصعد بدعم من تصريحات باول حول مسار الفائدة

عاد الدولار الأمريكي للارتفاع مجدداً يوم الأربعاء، مستعيداً بعض خسائره التي تكبدها خلال الأسبوع الماضي، وذلك عقب تصريحات حذرة من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بشأن التيسير النقدي الإضافي. ورغم أن الأسواق لا تزال تتوقع خفضين آخرين في أسعار الفائدة هذا العام، إلا أن لهجة باول التحذيرية عززت موقع الدولار في مواجهة العملات الرئيسية الأخرى. في خطوة تعكس حساسية الأسواق تجاه كل كلمة تصدر عن صناع السياسة النقدية، أظهر الدولار الأمريكي مرونة ملحوظة بعد تراجعه الأخير.
تحليل حركة الدولار الأمريكي بعد تصريحات باول
شهد مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، ارتفاعاً بنسبة 0.5% ليصل إلى 97.745. هذا الارتفاع جاء بعد جلستين من الخسائر المتتالية، مما يشير إلى أن المستثمرين استوعبوا رسالة باول التي أكدت على أن الخيارات السياسية لا تخلو من المخاطر. وحذر باول من أن التيسير النقدي السابق لأوانه قد يؤدي إلى ترسيخ التضخم، في حين أن التشديد النقدي المفرط قد يضر بآفاق التوظيف. هذا التحذير يسلط الضوء على المعضلة التي يواجهها الاحتياطي الفيدرالي: فمن ناحية، هناك ضغط لخفض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي في ظل تباطؤ محتمل، ومن ناحية أخرى، لا تزال مخاطر عودة التضخم قائمة. هذا التوازن الدقيق يجعل كل قرار من الفيدرالي محل تدقيق عالمي.
وفي ظل قوة الدولار الأمريكي، شهد اليورو تراجعاً ملحوظاً. فقد انخفض اليورو مقابل الدولار بنسبة 0.5% ليصل إلى 1.1751 دولار، بعد أن أظهرت بيانات مؤشر مناخ الأعمال في ألمانيا تدهوراً غير متوقع في سبتمبر. ويعتبر تراجع معنويات الأعمال في ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بمثابة إشارة مقلقة على تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً. هذا القلق بشأن النمو الأوروبي يدفع المستثمرين نحو الأصول الأكثر أماناً مثل الدولار الأمريكي، مما يفسر جزءاً كبيراً من تفوقه الأخير. كما تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.4% إلى 1.3467 دولار، مما يعكس الضغوط التي تواجهها العملات الأخرى مقابل قوة الدولار، في ظل غياب محفزات اقتصادية إيجابية تدعم الجنيه.
العوامل المؤثرة على مستقبل الدولار الأمريكي
تترقب الأسواق بحذر البيانات الاقتصادية الأمريكية التي ستصدر هذا الأسبوع، وخاصة مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) المقرر صدوره يوم الجمعة. يعتبر هذا المؤشر مقياساً رئيسياً للتضخم بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، وقد يؤثر بشكل كبير على توقعات الأسواق بشأن خطوات السياسة النقدية المقبلة. ويرى محللون أن أي بيانات تظهر ضعفاً في التضخم أو سوق العمل قد تدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم بخفضين في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام، مما قد يؤثر على قيمة الدولار الأمريكي.
وتأتي أهمية مؤشر PCE من كونه المقياس المفضل لدى الفيدرالي لأنه يستبعد العناصر المتقلبة مثل أسعار الغذاء والطاقة، مما يوفر صورة أوضح للتضخم الأساسي. أي قراءة أعلى من المتوقع قد تعطي الفيدرالي سبباً لانتظار المزيد من البيانات قبل الإقدام على أي تخفيض، وهو ما قد يدعم الدولار الأمريكي بشكل مؤقت. على العكس، إذا جاءت القراءة الشهرية عند 0.2% أو أقل، فإن هذا سيعزز توقعات الأسواق بخفضين في أسعار الفائدة قبل نهاية العام، مما قد يضعف العملة الخضراء بشكل أكبر.
تحركات العملات الأخرى: الين الياباني والدولار الأسترالي
بعيداً عن منطقة اليورو، ارتفع الدولار مقابل الين الياباني بنسبة 0.5% ليصل إلى 148.425 ين. ويعكس هذا التباين الشاسع بين السياسات النقدية للبلدين، حيث يواصل بنك اليابان سياسته النقدية فائقة التيسير، في حين يتجه الفيدرالي الأمريكي نحو التشدد. وفي أستراليا، استقر الدولار الأسترالي عند 0.6605 دولار أمريكي بعد ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) إلى 3% في أغسطس، وهو ما تجاوز التوقعات قليلاً. ورغم أن هذا يشير إلى استمرار الضغوط التضخمية، إلا أن الأسواق قلصت رهاناتها على خفض محتمل في أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الأسترالي، مما يعكس توقعات بأن البنك قد يتبنى نهجاً أكثر حذراً في ظل البيانات المتباينة.
في الختام، بينما تظل تصريحات باول حاسمة في توجيه التوقعات، فإن الأرقام الاقتصادية هي التي ستحسم الجدل. إن صعود الدولار الأمريكي الأخير هو انعكاس لترقب الأسواق وحذرها، وليس تحولاً جذرياً في الاتجاه. الأسبوع الحالي سيشكل نقطة تحول قد تحدد مسار العملة الخضراء حتى نهاية العام، وستبقى عيون المستثمرين على بيانات التضخم وسوق العمل بحثاً عن إشارات واضحة.
اقرأ أيضا…