تحليل الأسواق العالمية: الجنيه الإسترليني يتراجع والين الياباني يصعد

تتجه الأنظار إلى الأسواق المالية العالمية التي تشهد حالة من التباين في أداء العملات الرئيسية، حيث تعرض الجنيه الإسترليني لضغوط بيع شديدة، في حين شهد الين الياباني ارتفاعاً قوياً. تعكس هذه التحركات استجابة المستثمرين للتطورات المحلية في كل من بريطانيا واليابان، مع ترقب قرارات السياسة النقدية المستقبلية التي تشكل محور التكهنات الاقتصادية. تسلط هذه التباينات الضوء على عوامل الاقتصاد الكلي التي تؤثر على أسواق العملات، من البيانات المالية الحكومية إلى الخلافات داخل مجالس إدارة البنوك المركزية.
الجنيه الإسترليني تحت ضغط المخاوف المالية
شهد الجنيه الإسترليني انخفاضًا ملحوظًا، وصل إلى 0.5% مقابل الدولار، ليصل إلى 1.3484 دولار، مسجلاً أكبر تراجع له في يومين منذ أواخر يوليو. يعود هذا الهبوط بشكل أساسي إلى البيانات الحكومية المقلقة حول الاقتراض. فقد أثارت هذه الأرقام مخاوف حادة بشأن قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية دون اتخاذ إجراءات جذرية، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.
صرحت جين فولي، رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في رابوبنك، قائلة: “من الواضح أن الجنيه الإسترليني في موقف دفاعي. على الرغم من القراءة الأفضل لبيانات مبيعات التجزئة البريطانية لشهر أغسطس، إلا أن بيانات الاقتراض الحكومي الضعيفة قد سلطت الضوء على الصعوبات التي تواجهها وزيرة المالية، ريفز، في تقديم الميزانية البريطانية في نوفمبر”. وتضيف هذه الصعوبات طبقة إضافية من المخاطر السياسية والاقتصادية على العملة.
على الرغم من ارتفاع مبيعات التجزئة البريطانية في أغسطس بنسبة 0.5%، وهو ما فاق التوقعات وساهم فيه الطقس المشمس، إلا أن هذا النمو لم يكن كافياً لموازنة القلق المتزايد. فالأرقام القياسية للاقتراض الحكومي لأول خمسة أشهر من السنة المالية، والتي تعد الأعلى منذ عام 2020، تشير إلى أن بريطانيا قد تتجه نحو المزيد من الزيادات الضريبية. كان من المتوقع أن تعلن وزيرة المالية عن زيادات ضريبية جديدة في ميزانية 26 نوفمبر للحفاظ على المسار المالي الصحيح وتجنب أي اضطرابات محتملة في الأسواق المالية، مما يجعل الميزانية المقبلة حدثًا محوريًا للجنيه الإسترليني.
الين الياباني يصعد بدعم من بنك اليابان
على الجانب الآخر، شهد الين الياباني ارتفاعًا مفاجئًا بعد أن أثار أحد أعضاء مجلس إدارة بنك اليابان (BOJ) حالة من الانقسام، وهو ما أدى إلى تحول تركيز المستثمرين في الأسهم والسندات نحو احتمالية رفع أسعار الفائدة في وقت أقرب من المتوقع. ويعتبر هذا الانقسام داخل مجلس الإدارة إشارة قوية على أن هناك نقاشاً جدياً حول تغيير مسار السياسة النقدية في اليابان.
وصف ديفيد تشاو، استراتيجي السوق العالمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في إنفيسكو، هذا التطور بأنه “غير متوقع، ويشير إلى أن رفع أسعار الفائدة قد يأتي في وقت أقرب مما كان متوقعًا”. وأضاف أن الاجتماع القادم للبنك المركزي في 30 أكتوبر سيصبح “اجتماعاً حاسماً، وأفضل فرصة لرفع سعر الفائدة لبقية هذا العام”. هذا التوقع يرفع من أهمية الاجتماع، حيث ستكون الأسواق على أهبة الاستعداد لأي إشارات على تغيير في سياسة الفائدة.
بعد قرار بنك اليابان بالإبقاء على أسعار الفائدة عند 0.5%، شهد الين تذبذباً حاداً، لينهي تداولاته شبه ثابتة مقابل الدولار عند 147.98 ين. وفي مؤتمر صحفي، أكد محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، أن البنك سيواصل رفع أسعار الفائدة إذا ثبتت صحة توقعاته الاقتصادية والتسعيرية، مما يعزز التكهنات بأن نهاية عصر السياسة النقدية المفرطة في التيسير قد اقتربت. في هذه الأثناء، يترقب المستثمرون نتائج سباق القيادة داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في 4 أكتوبر، والتي قد تؤثر على مسار السياسة النقدية لبنك اليابان.
تطورات أخرى في سوق العملات
في سياق أوسع، يوازن المتعاملون في سوق العملات بين التأثير طويل الأجل للسياسات التجارية لإدارة ترامب والتغييرات في السياسة النقدية الأمريكية. فالتوترات التجارية والقرارات المفاجئة تزيد من حالة عدم اليقين في السوق، مما يؤثر على جاذبية الدولار كاستثمار آمن. وفي الوقت نفسه، ارتفعت التوقعات بشأن المزيد من التيسير النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي، حيث تشير أسعار العقود الآجلة للأموال الفيدرالية إلى احتمال بنسبة 89.8% لخفض آخر بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع البنك المركزي في أكتوبر.
وفي دليل على استمرار ثقة المستثمرين الأجانب في الأصول المقومة بالدولار، أظهرت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية أن الحيازات الخارجية لسندات الخزانة الأمريكية ارتفعت إلى مستوى قياسي في يوليو، متجاوزة المستويات المرتفعة السابقة للشهر الثالث على التوالي، بقيادة حيازات من اليابان وبريطانيا. وهذا الارتفاع يعكس رغبة المستثمرين الأجانب في الاحتفاظ بأصول مقومة بالدولار، مما يعزز مكانته كعملة احتياطية عالمية.
اقرأ أيضا…