الدولار الأمريكي يتراجع لأقل مستوى في شهرين

شهد سعر الدولار الأمريكي تراجعاً ملحوظاً خلال الأيام الأخيرة، حيث وصل إلى أدنى مستوياته في عدة أشهر مقابل العملات الرئيسية مثل الجنيه الإسترليني واليورو. هذا الانخفاض، الذي يأتي قبيل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed)، يثير تساؤلات حول التوقعات المستقبلية للسياسة النقدية الأمريكية وتأثيرها على الأسواق العالمية. فمع تزايد التكهنات بشأن خفض وشيك لسعر الفائدة، يجد المستثمرون أنفسهم في حالة ترقب، محاولين فك شفرة الرسائل التي قد يوجهها الفيدرالي، والتي ستحدد مسار الدولار الأمريكي في المستقبل القريب.
ضغوط متصاعدة على الدولار قبيل قرار الفائدة
تراجع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، إلى مستوى 97.044، وهو أدنى مستوى له منذ 7 يوليو. ويأتي هذا التراجع في ظل تزايد التكهنات بشأن خفض وشيك لسعر الفائدة من قبل الفيدرالي. وتتوقع الأسواق على نطاق واسع خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس يوم الأربعاء، مدفوعة بشكل أساسي ببيانات سوق العمل التي تشير إلى تباطؤ في النمو. فقد كانت أرقام التوظيف الأخيرة أقل من التوقعات، مما عزز قناعة المستثمرين بأن الفيدرالي سيتخذ إجراءات تحفيزية لدعم الاقتصاد وتجنب أي تباطؤ حاد.
كما زادت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي دعا فيها إلى تخفيض “أكبر” في سعر الفائدة، من الضغوط على الفيدرالي، مما يضيف بعداً سياسياً إلى القرار الاقتصادي. ووفقاً لموهيت كومار، الخبير الاستراتيجي في Jefferies، فإن التركيز سينصب بشكل كبير على “لهجة” رئيس الفيدرالي جيروم باول خلال الاجتماع. فإذا كانت لهجة باول “مائلة للتشديد” وركزت على مخاطر التضخم أو حالة عدم اليقين المحيطة بآفاق النمو، فقد يتراجع المستثمرون عن توقعاتهم لخفض سعر الفائدة، مما قد يمنح الدولار الأمريكي دفعة مؤقتة. في المقابل، إذا كانت لهجته “مائلة للتيسير” وأكدت على ضرورة دعم الاقتصاد، فمن المرجح أن يستمر الدولار الأمريكي في مساره الهبوطي.
تداعيات تراجع الدولار على العملات العالمية
أدى ضعف الدولار الأمريكي إلى تعزيز مواقع عملات أخرى، مما يعكس الترابط الوثيق بين الأسواق المالية العالمية:
- الجنيه الإسترليني: ارتفع بنسبة 0.28% ليصل إلى 1.3636 دولار، وهو أعلى مستوى له منذ 8 يوليو. يأتي هذا الارتفاع على الرغم من بيانات سوق العمل البريطانية التي أظهرت تباطؤاً في نمو الأجور في القطاع الخاص، مما يشير إلى أن بنك إنجلترا قد يجد نفسه في موقف صعب. فبحسب لالي أكونر، المحللة في eToro، فإن البنك المركزي البريطاني “عالٍق” في وضع يضطر فيه إلى الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لمواجهة التضخم، مما يفرض ضغطاً على النمو الاقتصادي.
- اليورو: ارتفع بما يصل إلى 0.4% مقابل الدولار الأمريكي الضعيف ليصل إلى 1.1809 دولار، وهو مستوى لم يشهده منذ 1 يوليو. البيانات الاقتصادية من منطقة اليورو أظهرت نمواً طفيفاً في الإنتاج الصناعي، بينما ارتفعت ثقة المستثمرين الألمان بشكل غير متوقع، مما يعكس حالة من التفاؤل الحذر في أكبر اقتصاد بالمنطقة.
- الدولار الأسترالي: سجل ارتفاعاً بنسبة 0.06% ليصل إلى 0.6674 دولار، وهو أقوى مستوى له منذ 8 نوفمبر. ويُعتبر الدولار الأسترالي حساساً بشكل خاص لآفاق النمو العالمي، وتراجعه الأخير يعكس الثقة المتزايدة في الأسواق.
- الفرنك السويسري والين الياباني: شهدت هاتان العملتان ارتفاعاً مقابل الدولار، حيث تراجع الدولار الأمريكي بنسبة 0.5% مقابل الفرنك السويسري ليصل إلى 0.7905، و0.3% مقابل الين الياباني إلى 146.950. ويأتي تراجع الدولار أمام الين قبل اجتماع بنك اليابان، مع توقعات الأسواق بأن يُبقي البنك على أسعار الفائدة عند 0.5%، مما يضيف عاملاً آخر للتقلبات في السوق.
توقعات مستقبلية لمسار الدولار الأمريكي
بينما تنتظر الأسواق بفارغ الصبر قرار الفيدرالي، يبقى السؤال الأهم هو إلى أي مدى سيذهب الدولار الأمريكي في تراجعه. قد لا يكون خفض سعر الفائدة المتوقع مجرد إجراء لمرة واحدة، بل خطوة أولى ضمن سلسلة من التخفيضات التي قد يضطر إليها الفيدرالي لدعم النمو الاقتصادي، خاصة في ظل ضعف البيانات الأخيرة.
هذه التوقعات بمسار تيسيري مستمر قد تزيد من الضغط الهبوطي على الدولار الأمريكي في الأمد القصير، مما يجعله أقل جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة. ومع ذلك، فإن مسار الدولار لا يعتمد فقط على سياسات الفيدرالي. فالبيئة الاقتصادية العالمية والسياسات النقدية للبنوك المركزية الكبرى الأخرى، مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، تلعب دوراً حاسماً. فإذا قامت هذه البنوك أيضاً بتيسير سياساتها النقدية، فقد تقلص الفجوة في أسعار الفائدة وتخفف من تراجع الدولار.
كذلك، فإن التوترات التجارية والمخاطر الجيوسياسية قد تدفع المستثمرين للعودة إلى الدولار الأمريكي كأصل ملاذ آمن، مما يحد من تراجعه. ففي ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، يظل الدولار الأمريكي محور الاهتمام، ومستقبله يعتمد على التوازن الدقيق بين التوقعات المحلية الأمريكية والتحولات العالمية.
اقرأ أيضا…