أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

الدولار الأمريكي: لماذا انهار بعد بيانات الوظائف وأين يتجه؟

شهد سعر صرف الدولار الأمريكي تراجعاً حاداً مقابل العملات الرئيسية الأخرى يوم الجمعة، في رد فعل مباشر على بيانات الوظائف الشهرية التي جاءت مخيبة للآمال. هذا التراجع القوي يعزز التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيتجه نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل، وهو ما يضع الدولار الأمريكي في مسار جديد وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي. هذه النتيجة المفاجئة تفتح الباب أمام تساؤلات حول قوة الاقتصاد الأكبر في العالم وتأثيره على الاستقرار المالي العالمي.

بيانات الوظائف: ضربة غير متوقعة

تعتبر بيانات الوظائف غير الزراعية (Nonfarm Payrolls) واحدة من أهم المؤشرات الاقتصادية التي يراقبها المستثمرون وصناع السياسات، نظراً لقدرتها على تقديم لمحة عن صحة سوق العمل ووتيرة النمو الاقتصادي. وقد أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية أن الاقتصاد أضاف 22,000 وظيفة فقط الشهر الماضي، وهو رقم أقل بكثير من التوقعات التي كانت تشير إلى إضافة 75,000 وظيفة.

هذا الفارق الكبير بين الأرقام الفعلية والتوقعات أثار قلق المستثمرين، حيث اعتبروا أن ضعف سوق العمل يمثل دليلاً قوياً على تباطؤ الاقتصاد، مما يبرر تدخل البنك المركزي بخفض تكاليف الاقتراض. يُنظر إلى هذه الأرقام على أنها إشارة واضحة إلى أن السياسات التجارية والضريبية بدأت تثقل كاهل الشركات الأمريكية، مما يؤثر على قدرتها على التوسع والتوظيف.

تأثير التباطؤ على الدولار والأسواق العالمية

انخفض الدولار الأمريكي عبر جميع مجالات التداول عقب صدور التقرير. فقد تراجع بنسبة 0.99% مقابل الين الياباني ليصل إلى 147.03، كما هبط بنفس النسبة تقريباً (0.99%) مقابل الفرنك السويسري. في المقابل، ارتفع اليورو بنسبة 0.79% ليبلغ 1.174425 دولار، مسجلاً مكاسب أسبوعية مقابل الدولار. كما هبط مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.70% ليصل إلى 97.54 نقطة، وهو ما يعكس بشكل مباشر تحول المستثمرين بعيداً عن الأصول الأمريكية ذات العائد المنخفض، والبحث عن فرص استثمارية أفضل في مناطق أخرى من العالم.

في سياق متصل، ارتفع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.78% مقابل الدولار الضعيف ليصل إلى 1.35420 دولار، مسجلاً مكاسب أسبوعية بنسبة 0.3%. هذا الارتفاع يأتي بالتزامن مع تراجع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات و25 سنة، مما يشير إلى تحول المستثمرين نحو الأصول الأكثر أماناً.

ووفقاً لـ”خوان بيريز”، مدير التداول في Monex USA، فإن هذه البيانات “تؤكد ما كان يُخشى منه، وهو أن الشركات تكافح مع التوظيف بسبب التكاليف الإضافية الناتجة عن التغيرات في السياسات التجارية والتعريفات”. وأضاف بيريز أن هذا الوضع “ليس قصة جيدة للولايات المتحدة، لأنه يثبت أننا نمر بحالة ركود تضخمي خطيرة جداً”. ويُعرف “الركود التضخمي” بأنه حالة اقتصادية نادرة وخطيرة تجمع بين ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع معدلات البطالة وركود النمو الاقتصادي، وهو ما يضع صناع السياسات في موقف حرج للغاية.

الذهب والأسهم: المستفيدون من ضعف الدولار

مع تراجع الدولار الأمريكي، ارتفعت أسعار الأصول الأخرى. وصلت أسعار الذهب إلى مستوى قياسي جديد بلغ 3,595.30 دولار للأوقية، مدعومة بضعف الدولار وزيادة شهية المخاطرة لدى المستثمرين. يُنظر إلى الذهب تقليدياً على أنه ملاذ آمن، وعادة ما ترتفع قيمته عندما يضعف الدولار، حيث يصبح شراؤه أرخص لحاملي العملات الأخرى.

كما شهدت أسواق الأسهم الأمريكية انتعاشاً، حيث ارتفعت مؤشرات S&P 500 وناسداك وداو جونز جميعها، وهو ما يعكس تفاؤل المستثمرين بشأن احتمالية خفض أسعار الفائدة. فخفض الفائدة يقلل من تكلفة الاقتراض للشركات، مما يشجع على الاستثمار والتوسع، كما أنه يجعل الاستثمار في السندات الحكومية أقل جاذبية، مما يدفع المستثمرين نحو أسواق الأسهم الأكثر ربحية.

الجنيه الإسترليني ومستقبل الدولار الأمريكي

شهد الجنيه الإسترليني ارتفاعاً ملحوظاً مقابل الدولار الضعيف، في حين انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات و25 سنة، مما يشير إلى تحول المستثمرين نحو الأصول الأكثر أماناً. هذا الانخفاض في عوائد السندات يعكس توقعات المستثمرين بتباطؤ النمو الاقتصادي، حيث أن انخفاض العائد يعني ارتفاع سعر السند، مما يشير إلى زيادة الطلب عليه كأصل آمن.

وفي الوقت الحالي، يتوقع المتداولون أن فرصة خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع القادم تبلغ حوالي 88%، بينما تبلغ احتمالية الخفض الأكبر بمقدار 50 نقطة أساس 12%. هذا التوقع، الذي يتم رصده عبر أدوات مثل FedWatch التابعة لبورصة شيكاغو التجارية (CME)، يشير إلى أن مسار الدولار الأمريكي في الفترة القادمة سيعتمد بشكل كبير على القرارات السياسة النقدية التي سيتخذها الاحتياطي الفيدرالي في ظل المؤشرات الاقتصادية الضعيفة، مما يجعله عملة في مفترق طرق بين توقعات النمو والتدخلات النقدية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى