أسعار الذهب تسجل ارتفاعا تاريخيا وتتجاوز 3500 دولار للأوقية

شهدت أسعار الذهب قفزة تاريخية اليوم الثلاثاء، حيث اخترق سعر الأوقية حاجز 3500 دولار ليصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق. يأتي هذا الارتفاع الصاروخي، الذي يعكس حالة من الثقة القوية في المعدن الأصفر، مدفوعاً بتوقعات متزايدة في الأسواق بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) سيتجه لخفض أسعار الفائدة هذا الشهر، مما يعزز جاذبية الذهب كأصل استثماري لا يدر عائداً.
في تفاصيل التداولات، استقر سعر الذهب في المعاملات الفورية عند 3475.33 دولار للأوقية، وذلك بعد أن سجل في وقت سابق من الجلسة مستوى قياسيا جديدا بلغ 3508.50 دولار. وبهذا، تكون مكاسب المعدن النفيس قد بلغت نسبة مذهلة تقدر بـ 32% منذ بداية العام الجاري، متفوقاً على العديد من فئات الأصول الأخرى. وفي نفس السياق، ارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 1.2% لتصل إلى 3557.80 دولار للأوقية.
ما هي أسباب هذا الارتفاع الجنوني في أسعار الذهب؟
يقف وراء هذا الصعود القوي مجموعة من العوامل الأساسية المتشابكة التي تدعم موقف الذهب كأصل استثماري رئيسي في الوقت الحالي.
1. توقعات خفض الفائدة الأمريكية
العامل الأكثر تأثيراً في الوقت الحالي هو تسعير الأسواق لاحتمالية تصل إلى 90% بأن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل يوم 17 سبتمبر، وفقاً لأداة “فيد واتش” التابعة لمجموعة سي إم إي. ويعتبر انخفاض أسعار الفائدة محفزاً إيجابياً للذهب، حيث يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الذي لا يقدم عائداً؛ فالمستثمرون يفضلون في هذه الحالة الأصول التي لا تتأثر سلباً ببيئة الفائدة المنخفضة. علاوة على ذلك، يؤدي خفض الفائدة عادةً إلى إضعاف الدولار الأمريكي، مما يجعل الذهب المقوم بالدولار أرخص ثمناً للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، وهو ما يطلق شرارة موجة جديدة من الطلب العالمي.
وفي هذا الصدد، يقول هان تان، كبير محللي الأسواق في “نيمو موني”: “مسار ارتفاع الذهب سيتأثر بشكل كبير بمدى توافق مسار خفض الفائدة الفيدرالي مع توقعات السوق”.
2. الطلب على الملاذ الآمن ومشتريات البنوك المركزية
لطالما كان الذهب ملاذاً آمناً وموثوقاً ضد الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية، وعلى رأسها حالة عدم اليقين المستمرة التي تخيم على السياسات التجارية العالمية. وقد شهد عام 2025 سلسلة من الارتفاعات القياسية، مدعومة باستمرار البنوك المركزية حول العالم، خاصة في الاقتصادات الناشئة، في شراء الذهب وتنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار الأمريكي كجزء من استراتيجية طويلة الأمد لتقليل الاعتماد على عملة واحدة وحماية اقتصاداتها من تقلبات السياسة النقدية الأمريكية.
يضيف تان: “لا يزال الذهب يتمتع برياح داعمة كافية، من مشتريات البنوك المركزية إلى الطلب على الملاذ الآمن – خاصة إذا أثرت التعريفات التجارية بشكل كبير على النمو الاقتصادي العالمي – وصولاً إلى العام المقبل”.
وكانت أسعار الذهب قد ارتفعت بنسبة 27% في عام 2024، وتجاوزت مستوى 3000 دولار للأوقية لأول مرة في مارس من هذا العام مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن السياسات التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما يؤكد أن الاتجاه الصعودي الحالي هو استمرار لزخم قوي بدأ منذ فترة.
توقعات الخبراء لمستقبل أسعار الذهب
يرى المحللون أن هناك المزيد من المجال لصعود المعدن النفيس في الفترة القادمة، وأن الركائز الأساسية للسوق لا تزال قوية.
يقول جيوفاني ستونوفو، المحلل في بنك “يو بي إس”: “لا يزال هناك مجال إضافي لارتفاع أسعار الذهب. نشهد حالياً عودة قوية للطلب الاستثماري، ويتجلى ذلك بوضوح في زيادة التدفقات النقدية نحو صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب. كما ستواصل البنوك المركزية التنويع نحو الذهب، لذا فإن هذا الارتفاع مستدام ويمكن أن يرتفع أكثر من هنا”.
وتدعم البيانات هذا التوجه، حيث أعلن صندوق “إس بي دي آر جولد ترست”، أكبر صندوق متداول مدعوم بالذهب في العالم، أن حيازاته ارتفعت يوم الجمعة بنسبة 1.01% لتصل إلى 977.68 طناً، وهو أعلى مستوى لها منذ أغسطس 2022. هذه الزيادة الملحوظة في الحيازات تعكس ثقة المستثمرين المتنامية في أن الذهب سيحافظ على قيمته أو يواصل صعوده في ظل البيئة الاقتصادية الحالية.
وتترقب الأسواق الآن صدور بيانات الوظائف في القطاعات غير الزراعية الأمريكية يوم الجمعة، والتي تعتبر مؤشراً حيوياً على صحة سوق العمل الأمريكي. فإذا جاءت البيانات أضعف من المتوقع، فإنها ستعزز حجة المطالبين بخفض الفائدة بقوة، مما قد يعطي دفعة إضافية للذهب.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
في ظل هيمنة الذهب على المشهد، تباين أداء المعادن الأخرى التي تتأثر بشكل أكبر بالطلب الصناعي. ففي حين يتألق الذهب كأصل نقدي وملاذ آمن، فإن المعادن الأخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بآفاق النمو الاقتصادي العالمي، والتي تكتنفها الضبابية حالياً:
- الفضة: انخفضت في المعاملات الفورية بنسبة 0.5% إلى 40.49 دولاراً للأوقية، بعد أن سجلت أعلى مستوياتها منذ سبتمبر 2011 في الجلسة السابقة.
- البلاتين: تراجع بنسبة 0.2% إلى 1397.06 دولاراً.
- البلاديوم: انخفض بنسبة 1.5% إلى 1120.21 دولاراً.
اقرأ أيضا…