أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

لماذا يتراجع الدولار الأمريكي؟ استقلالية الفيدرالي على المحك وتهدد استقرار العملة الخضراء

شهدت أسواق العملات العالمية تراجعاً مفاجئاً في قيمة الدولار الأمريكي يوم الثلاثاء، حيث تذبذب أمام سلة من العملات الرئيسية. فقد تراجع الدولار بنسبة 0.3% أمام اليورو والجنيه الإسترليني، وبنسبة 0.2% أمام الين الياباني. جاء هذا الانخفاض على خلفية قرار غير مسبوق من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بإقالة محافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي، ليزا كوك، مما أثار موجة من القلق حول استقلالية المؤسسة المالية الأقوى في العالم، والتي تعد حجر الزاوية في استقرار الاقتصاد العالمي.

وتعتبر هذه المؤسسة حاسمة لأن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية الرئيسية، مما يعني أن أي اهتزاز في ثقة المستثمرين بها يتردد صداه عبر الأسواق العالمية بأكملها، من أسعار السلع الأساسية إلى تدفقات رأس المال.

أزمة الاستقلالية: قرار ترامب وتأثيره على الدولار الأمريكي

تعتبر استقلالية البنوك المركزية عن الضغوط السياسية مبدأً أساسياً في الاقتصاد الحديث، لأنها تضمن أن القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية، مثل أسعار الفائدة وإدارة التضخم، تُتخذ بناءً على اعتبارات اقتصادية بحتة وليس لمصالح سياسية قصيرة الأجل. وقد تم ترسيخ هذه الاستقلالية في الولايات المتحدة بعد عقود من التجارب التاريخية التي أثبتت أن التدخل السياسي في البيدرالي غالباً ما يؤدي إلى نتائج اقتصادية كارثية.

أعلن ترامب أنه أقال ليزا كوك بسبب ما وصفه بـ “مخالفات مزعومة” في حصولها على قروض عقارية، في خطوة يمكن أن تختبر حدود سلطة الرئيس على البنك المركزي. ردت كوك على الفور، مؤكدة أن الرئيس ليس لديه سلطة لإقالتها وأنها لن تستقيل من منصبها. هذا التصعيد السياسي المباشر ضد أحد أعضاء مجلس محافظي البنك الاحتياطي الفيدرالي دفع المحللين إلى التشكيك في قدرة الفيدرالي على اتخاذ قرارات سياسة نقدية بعيداً عن الضغوط السياسية.

تاريخياً، لم يقم أي رئيس أمريكي بإقالة عضو في مجلس محافظي الفيدرالي، مما يجعل هذه الخطوة سابقة خطيرة قد تؤثر على مصداقية المؤسسة على المدى الطويل، وتهدد الثقة في النظام المؤسسي الأمريكي ككل.

وفي مذكرة بحثية، قال محللون في بنك “غولدمان ساكس” إن “التحديات التي تواجه استقلالية الفيدرالي تمثل مخاطر واضحة لتراجع الدولار الأمريكي، وذلك بسبب المخاوف المتعلقة بالمؤسسات الأمريكية، والتوقعات بانخفاض عوائد السندات قصيرة الأجل”. هذه المخاوف تنبع من حقيقة أن أي تدخل سياسي في عمل البنك المركزي يمكن أن يؤدي إلى سياسات غير رشيدة، مثل خفض أسعار الفائدة بشكل مصطنع قبل الأوان، مما قد يغذي التضخم ويقوض قيمة العملة على المدى البعيد، ويجعل المستثمرين الدوليين أقل رغبة في الاحتفاظ بأصول مقومة بالدولار.

توقعات الأسواق: هل يقترب خفض الفائدة؟

على الرغم من أن رد فعل المستثمرين كان هادئاً نسبياً في البداية، إلا أنهم وجدوا أنفسهم عالقين بين المخاوف من تسييس السياسة النقدية وبين المكاسب المحتملة التي قد تجلبها هذه السياسات للأسواق. وقد دأب ترامب على انتقاد رئيس الفيدرالي، جيروم باول، لعدم خفضه لأسعار الفائدة، على الرغم من أنه توقف عن التهديد بإقالته قبل نهاية ولايته.

هذا الضغط المستمر من البيت الأبيض، بغض النظر عن الجهة السياسية التي تمارسه، يخلق بيئة من عدم اليقين في الأسواق المالية، ويدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم المخاطر السياسية في الولايات المتحدة.

وتشير أسواق المال حالياً إلى أن هناك احتمالاً بنسبة تقارب 81% لخفض سعر الفائدة في اجتماع الفيدرالي في سبتمبر. وانضم بنك “مورغان ستانلي” يوم الثلاثاء إلى قائمة المؤسسات التي تتوقع خفضاً للفائدة في سبتمبر، بعد أن لمح باول نفسه إلى سياسة تيسيرية في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي.

هذا التوقع يعكس اعتقاداً قوياً بأن البنك المركزي قد يضطر لتليين سياسته استجابة للضغوط، مما يضع ضغطاً إضافياً على قيمة الدولار الأمريكي. خفض الفائدة يجعل الاحتفاظ بالدولار أقل جاذبية للمستثمرين الذين يبحثون عن عوائد أعلى، ويدفعهم نحو عملات أخرى أو أصول ذات مخاطر أعلى، مثل الأسهم أو السلع.

عوامل أخرى تحد من هبوط الدولار الأمريكي

على الرغم من التوقعات السلبية، يرى محللون مثل كينيث بروكس، من “سوسيتيه جنرال”، أن هناك عوامل أخرى تحد من هيار الدولار الأمريكي. فالمخاوف الاقتصادية والمالية المستمرة في أوروبا تحد من خيارات المستثمرين المتاحة للرهان على انخفاض العملة الأمريكية، إذ لا يمكنهم ببساطة التحول إلى عملة أخرى إذا كانت هذه العملة تواجه مشاكلها الخاصة.

ففي فرنسا، تراجعت أسعار السندات الحكومية مع تزايد احتمالية إقالة الحكومة الفرنسية الشهر المقبل. ارتفع عائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات إلى ذروة بلغت 3.53%، وهو أعلى مستوى له منذ مارس، مما يضيف إلى صعود يوم الاثنين. هذه المخاوف من عدم الاستقرار السياسي في فرنسا تغذي التوتر في أسواق السندات العالمية وتجعل المستثمرين يترددون في التحول بشكل كامل إلى اليورو، رغم أن اليورو قد يكون المستفيد الطبيعي من ضعف الدولار الأمريكي.

ويضيف بروكس أن “السؤال الأوسع لليورو هو ما إذا كانت الأخبار الفرنسية الأخيرة تزعزع شهية المستثمرين لليورو بشكل أوسع، أم أن هذه مسألة فرنسية معزولة”. وتخشى الأسواق من أن الأزمة السياسية قد تؤدي إلى تأخير الإصلاحات المالية الضرورية، مما يهدد الاستقرار المالي في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

هذا الوضع لا يقتصر على فرنسا. فالمخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في بريطانيا واليابان أيضاً جعلت المستثمرين يتجنبون هذه العملات، مما يترك لهم خيارات محدودة للتحوط ضد تقلبات الدولار الأمريكي. على سبيل المثال، يواجه الين الياباني تحديات من السياسة النقدية التيسيرية للغاية التي يتبعها بنك اليابان، في حين أن الجنيه الإسترليني لا يزال يعاني من تداعيات بريكست والتباطؤ الاقتصادي.

نظرة على المستقبل

إن تراجع الدولار الأمريكي الأخير هو نتيجة مباشرة لمزيج من التوترات السياسية والمخاوف بشأن استقلالية البنك الفيدرالي. وبينما تشير التوقعات إلى قرب خفض أسعار الفائدة، فإن العوامل الاقتصادية والسياسية في مناطق أخرى من العالم، مثل أوروبا، تظل داعماً غير مباشر لقوة الدولار الأمريكي.

وسيبقى المستثمرون يراقبون عن كثب التطورات في المشهد السياسي الأمريكي وقرارات البنك الفيدرالي المستقبلية، والتي ستحدد مسار العملة الخضراء في الفترة القادمة. ففي نهاية المطاف، تعتمد قوة أي عملة على الثقة، ويبدو أن هذه الثقة في الدولار الأمريكي قد اهتزت مؤقتاً، مما يضع استقراره على محك حقيقي.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى