أسعار الذهب تتراجع.. ومخاوف التضخم والسياسة النقدية تسيطر على الأسواق

شهدت أسعار الذهب تراجعًا طفيفًا يوم الجمعة، مع ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، بينما يترقب المستثمرون خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، في ندوة جاكسون هول السنوية. يُعد هذا المؤتمر أحد أهم التجمعات العالمية للمصرفيين المركزيين والأكاديميين، حيث غالبًا ما يتم فيه الكشف عن توجهات السياسة النقدية المستقبلية. من المتوقع أن يقدم الخطاب إشارات جديدة حول مسار السياسة النقدية، مما قد يؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب في الفترة القادمة.
الدولار القوي يضغط على الذهب
تراجع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 3,329.19 دولار للأونصة بحلول الساعة 06:07 بتوقيت جرينتش، بينما انخفضت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 0.3% إلى 3,372.10 دولار. يأتي هذا التراجع في ظل استمرار مؤشر الدولار الأمريكي في التحليق بالقرب من أعلى مستوى له منذ أسبوعين، مما يعكس زيادة الإقبال على العملة الأمريكية كأصل آمن.
يُعرف الذهب والدولار بعلاقتهما العكسية التاريخية؛ فارتفاع قيمة الدولار يجعل الذهب، الذي يتم تسعيره بالعملة الأمريكية، أكثر تكلفة بالنسبة للمشترين من حاملي العملات الأخرى، مما يقلل من جاذبيته. على الجانب الآخر، فإن أي ضعف في الدولار يُترجم عادةً إلى ارتفاع في أسعار الذهب. هذه العلاقة تجعل من مراقبة أداء الدولار أمرًا بالغ الأهمية للمستثمرين في سوق الذهب.
باول في جاكسون هول: هل يلمح لخفض الفائدة؟
تتجه أنظار الأسواق نحو خطاب باول المقرر اليوم، بعد أن أبدى مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي حذرًا يوم الخميس تجاه فكرة خفض الفائدة الشهر المقبل. وعلى الرغم من ذلك، تشير أسواق العقود الآجلة إلى احتمال بنسبة 75% لخفض الفائدة بمقدار ربع نقطة الشهر المقبل، وفقًا لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة بورصة شيكاغو التجارية (CME). هذا الاحتمال المرتفع يعكس التوقعات بأن الظروف الاقتصادية قد تدفع الفيدرالي لتخفيف سياسته النقدية.
ويشير تيم ووترر، كبير محللي السوق في KCM Trade، إلى أن “الذهب يواجه حاليًا رياحًا معاكسة بسبب احتمالية التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى جذب الدولار لبعض المشترين.” ويضيف: “لكن إذا تم تفسير رسالة باول على أنها تحول نحو سياسة أكثر تيسيرًا (Dovish)، مما يعني الإشارة إلى خفض محتمل لأسعار الفائدة، فقد يتراجع الدولار، ويعود الذهب إلى مساره الصعودي مرة أخرى، حيث أن الفائدة المنخفضة تقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائدًا.” وعلى النقيض، إذا جاءت رسالة باول “متشددة” (Hawkish)، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على أسعار الذهب.
تحديات التضخم وسوق العمل
تكمن التحديات التي يواجهها صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي في أن علامات ضعف سوق العمل، مثل ارتفاع طلبات إعانة البطالة إلى أعلى مستوياتها في نحو ثلاثة أشهر، تتزامن مع بقاء التضخم فوق هدف البنك المركزي البالغ 2%. كما أن الزيادات الأخيرة في التعريفات الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية قد تزيد من الضغط التضخمي على الأسعار.
يُعد التضخم المرتفع عاملاً داعمًا للذهب على المدى الطويل، حيث يُعتبر المعدن النفيس ملاذًا آمنًا ضد تآكل قيمة العملة. وفي أوقات عدم اليقين الاقتصادي، يتجه المستثمرون إلى الذهب للحفاظ على ثرواتهم. ومع ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة لترويض التضخم يزيد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب غير المدر للعائد. هذا التوازن الدقيق بين تراجع النمو الاقتصادي وضغوط التضخم يجعل مهمة الفيدرالي صعبة للغاية ويؤثر بشكل مباشر على حركة أسعار الذهب.
الوضع الجيوسياسي يضيف تعقيدًا
أضافت التطورات الجيوسياسية المزيد من التعقيد إلى المشهد، حيث أصبحت القضايا السياسية محركًا رئيسيًا لحركة أسواق المعادن النفيسة. فبينما يمكن أن تدعم المخاوف بشأن النزاعات الجيوسياسية، مثل الصراع بين روسيا وأوكرانيا أو التوترات في الشرق الأوسط، الذهب كأصل آمن وملاذ في أوقات الأزمات، فإن التوقعات بأي انفراجة دبلوماسية أو حل وشيك للنزاعات قد تقلل من جاذبيته وتدفع المستثمرين نحو الأصول ذات العائد الأعلى. هذا التقلب في المشاعر الاستثمارية يعكس مدى حساسية أسواق المعادن النفيسة للأخبار السياسية.
وبالإضافة إلى الذهب، تظهر المعادن النفيسة الأخرى مثل الفضة والبلاتين والبلاديوم تحركات متضاربة تعكس تعقيد المشهد الاقتصادي الحالي. تراجعت الفضة الفورية بنسبة 0.4% إلى 38.01 دولار للأونصة، وهو انخفاض يتماشى مع ضعف الذهب في مواجهة قوة الدولار. تاريخياً، غالبًا ما تتبع الفضة اتجاه الذهب، ولكنها تُظهر تقلبات أكبر نظرًا لاستخداماتها المتعددة في الصناعة، مما يجعلها تتأثر بالظروف الاقتصادية العالمية بشكل أكبر من الذهب.
وفي تطور آخر، هبط البلاتين بنسبة 0.6% إلى 1,345.06 دولار. على عكس الذهب والفضة، يرتبط البلاتين ارتباطًا وثيقًا بقطاع صناعة السيارات، حيث يُستخدم في المحفزات التي تنقي عوادم السيارات. أي مخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أو انخفاض إنتاج السيارات تؤثر سلبًا على أسعاره. في المقابل، ارتفع البلاديوم بنسبة 0.2% إلى 1,113.19 دولار. غالبًا ما يتحرك البلاديوم والبلاتين في اتجاهين متعاكسين بناءً على التغيرات في الطلب الصناعي وتفضيلات المصنعين. هذه التحركات المتضاربة للمعادن النفيسة الأخرى تسلط الضوء على حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق في انتظار إشارات واضحة من البنوك المركزية الكبرى، وتؤكد على أن كل معدن يتأثر بمجموعة فريدة من العوامل الاقتصادية والصناعية التي تميزه عن غيره.
اقرأ أيضا…