الأسهم الأمريكية تتراجع والمستثمرون يترقبون خطاب باول في جاكسون هول

شهدت الأسهم الأمريكية تراجعًا واسع النطاق يوم الخميس، حيث أغلق مؤشر S&P 500 على خسائر لليوم الخامس على التوالي، وذلك مع ترقب المتداولين لكلمة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في وقت لاحق من الأسبوع. يعكس هذا التراجع حالة من الحذر والترقب التي تسود الأسواق قبيل أي إشارات جديدة حول مسار السياسة النقدية، مما يؤكد أن المستثمرين يضعون ثقلًا كبيرًا على “التوجيه المستقبلي” الذي سيقدمه الفيدرالي.
تراجع المؤشرات الرئيسية
أنهى مؤشر S&P 500 اليوم متراجعًا بنسبة 0.4% ليستقر عند 6,370.17 نقطة، في حين تراجع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.34% ليغلق عند 21,100.31 نقطة.
من جهته، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 152.81 نقطة، أي ما يعادل 0.34%، ليستقر عند 44,785.50 نقطة. هذه الخسائر المتتالية ليست مجرد أرقام، بل هي انعكاس مباشر للتوتر السائد في السوق، حيث يفضل المستثمرون اتخاذ موقف دفاعي وتسييل الأرباح تحسبًا لأي مفاجآت غير سارة قد تنتج عن تصريحات باول.
جاكسون هول: مفتاح مستقبل السياسة النقدية
تتركز أنظار المستثمرين حاليًا على المؤتمر الاقتصادي السنوي الذي يعقده البنك المركزي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، حيث قد يقدم باول رؤى مهمة حول مسار أسعار الفائدة. يأمل المشاركون في السوق أن توفر هذه الإشارات بعض الراحة بشأن مخاوف التضخم المستمرة، خاصةً مع انقسام الآراء داخل البنك نفسه. هذا الحدث يُعد بمثابة بوصلة للمستثمرين، حيث يحدد نبرة السياسة النقدية للأشهر القادمة.
وتشير أسعار العقود الآجلة لأموال الاحتياطي الفيدرالي، كما يرصدها مؤشر “FedWatch” التابع لمجموعة CME، إلى احتمال كبير، يبلغ نحو 74%، أن يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماعه القادم بشهر سبتمبر. هذا التوقع الكبير يجعل السوق عرضة لرد فعل عنيف إذا جاءت تصريحات باول أقل حماسة أو أكثر حذرًا مما يأمله المستثمرون.
عوامل إضافية تضغط على الأسواق
كشف محضر اجتماع الفيدرالي لشهر يوليو عن قلق صانعي السياسات بشأن حالة سوق العمل القوية والتضخم الذي لا يزال مرتفعًا، رغم اتفاق الأغلبية على أن الوقت لم يحن بعد لخفض أسعار الفائدة. هذا التضارب بين قوة سوق العمل التي تدعم الإنفاق وبين استمرار التضخم يضع البنك في موقف صعب. وفي خطوة لافتة، خالف عضوان في المجلس، كريستوفر والر وميشيل بومان، قرار تثبيت أسعار الفائدة، وهي أول مرة يحدث فيها انشقاق من هذا النوع بين عضوين في المجلس منذ عام 1993. هذا الانقسام النادر يسلط الضوء على عمق الخلاف حول المسار الصحيح للسياسة النقدية.
ويرى ريك جاردنر، كبير مسؤولي الاستثمار في RGA Investments، أن “تقييمات الأسهم الأمريكية مرتفعة للغاية في الوقت الحالي قبل جاكسون هول، ولدى المستثمرين توقعات عالية بأن يلمح باول إلى خفض أسعار الفائدة في سبتمبر”. وأضاف أن “أي شيء لا يرقى إلى هذه التوقعات قد يدفع المستثمرين لجني بعض الأرباح، خاصة بالنظر إلى ضعف حجم التداول في أغسطس وعدم الرغبة في المخاطرة قبيل عطلة نهاية الأسبوع”.
إضافة إلى ذلك، تراجعت أسهم شركة وول مارت بأكثر من 4% بعد أن جاءت أرباحها الفصلية أقل من توقعات المحللين للمرة الأولى منذ مايو 2022، رغم تجاوز مبيعاتها التقديرات. هذا الأداء يُعد مؤشرًا مقلقًا على ضغط محتمل على الإنفاق الاستهلاكي، وهو محرك أساسي للنمو الاقتصادي. كما تعرض السوق لضغوط من موجة بيع مكثفة في قطاع التكنولوجيا، حيث قام المستثمرون بجني أرباح من أسهم الشركات التي شهدت ارتفاعات هائلة مؤخرًا، مثل إنفيديا، التي استفادت من زخم الذكاء الاصطناعي، وشركتي بالانتير وميتا بلاتفورمز. يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها عملية “تسييل أرباح” طبيعية بعد فترات من النمو السريع، ولكنها ساهمت في إثارة القلق على المدى القصير.
نظرة على الأداء الأسبوعي وتوقعات المستقبل
مع نهاية الأسبوع، سجل مؤشر S&P 500 تراجعًا أسبوعيًا بنسبة 1.2%، في حين خسر مؤشر ناسداك 2.4%. أما مؤشر داو جونز المكون من 30 سهمًا، فكان في طريقه لتسجيل انخفاض بنسبة 0.4% خلال الفترة. يُظهر هذا الأداء الأسبوعي أن الضغوط الحالية ليست مجرد تقلبات يومية، بل هي جزء من تحول في مزاج السوق.
وبينما يترقب المستثمرون خطاب باول، يبقى السؤال الأهم: هل سيختار البنك المركزي الاستمرار في مساره الحذر للسيطرة على التضخم، أم سيقدم إشارات تدعم توقعات خفض الفائدة، مما قد يمنح الأسهم الأمريكية دفعة جديدة؟
اقرأ أيضا…