أخبار الأسواقأخبار البيتكوينعملات رقمية

سعر البيتكوين: هل تؤثر قرارات الفيدرالي الأمريكي على السوق؟

شهدت أسواق العملات الرقمية تحولاً دراماتيكياً، حيث تراجع سعر البيتكوين بشكل حاد خلال يومي 18 و 19 أغسطس 2025. جاء هذا التراجع المفاجئ بعد أن كان قد وصل إلى قمة جديدة غير مسبوقة عند 124,000 دولار قبل أيام قليلة فقط، مما يجعله تصحيحاً قوياً ومثيراً للقلق.

هذا الانخفاض، الذي دفع سعر البيتكوين إلى ما دون 115,000 دولار، لم يكن مجرد تقلب عابر، بل كان رد فعل مباشر على مجموعة من المخاوف الاقتصادية الكلية، وعلى رأسها التوقعات المتغيرة بشأن سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

مفاجأة التضخم: العامل الذي حرك الأسواق

يكمن السبب الجذري لهذا التصحيح في بيانات التضخم التي جاءت أعلى من التوقعات. فصدور بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) ومؤشر أسعار المنتجين (PPI) لشهر يوليو أشار إلى تسارع وتيرة التضخم، خاصة في قطاع الخدمات ونتيجة للتعريفات الجمركية الجديدة. هذه الإشارات لم تبعث القلق فقط لدى المسؤولين في البنك المركزي، بل دفعت المتداولين والمستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم بشكل جذري.

في وقت سابق من العام، كانت الأسواق تتوقع بثقة ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة قبل نهاية عام 2025. كانت هذه التوقعات بمثابة حافز رئيسي للأصول الخطرة مثل البيتكوين، حيث توفر أسعار الفائدة المنخفضة بيئة مثالية للسيولة والمضاربة. إلا أن البيانات الجديدة أحدثت تغييراً جذرياً، حيث تشير أداة CME FedWatch Tool الآن إلى أن الأسواق تتوقع تخفيضين فقط، مما يقلص من جاذبية الأصول الخطرة ويدفع المستثمرين نحو الحذر.

مؤشرات على انخفاض الإقبال على المخاطرة وتصفية المراكز

كان رد فعل السوق على هذا التحول سريعاً وملموساً، حيث ظهرت مؤشرات واضحة على تراجع شهية المخاطرة:

  • زيادة الإيداعات على بينانس: ارتفعت إيداعات البيتكوين على منصة “بينانس” بشكل ملحوظ، وهو ما يُعتبر غالباً مؤشراً على نية بيع قادمة.
  • تدفقات خارجة من صناديق الاستثمار المتداولة: شهدت صناديق الاستثمار المتداولة في البيتكوين والإيثريوم تدفقات خارجة صافية، مما يعكس تحولاً من استراتيجيات الشراء إلى البيع لدى المستثمرين المؤسسيين.
  • تصفية المراكز الشرائية: أدت هذه التحولات السريعة في المعنويات إلى موجة بيع مكثفة، مما أدى إلى تصفية ما يزيد عن 500 مليون دولار من المراكز الشرائية (Long Positions) في قطاع العملات الرقمية. تُعرف هذه الظاهرة بـ “شلال التصفية” (Liquidation Cascade)، حيث يضطر المتداولون الذين يراهنون على ارتفاع الأسعار إلى إغلاق مراكزهم بخسارة، مما يغذي المزيد من البيع ويزيد من حدة الانخفاض.

نتيجة لذلك، انخفض إجمالي القيمة السوقية للعملات الرقمية بأكثر من 100 مليار دولار في يوم واحد. ورغم أن سعر البيتكوين هو الأكثر تداولاً، إلا أن الضغوط البيعية لم تقتصر عليه، بل امتدت لتشمل الإيثريوم والعملات البديلة (Altcoins) التي تراجعت هي الأخرى بشكل كبير، مما يشير إلى أن المستثمرين يفضلون جني الأرباح والابتعاد عن المخاطرة حتى تتضح الرؤية.

التطلع إلى المستقبل: ترقب لقرارات الفيدرالي

إن تراجع توقعات خفض أسعار الفائدة يعرض السرد الصعودي الذي استند إليه صعود البيتكوين للخطر. فبينما كان المستثمرون يعولون على سياسة نقدية تيسيرية، أصبح التضخم المتزايد الآن يمثل عقبة رئيسية. يترقب المشاركون في السوق باهتمام شديد حدثين رئيسيين هذا الأسبوع: ندوة جاكسون هول السنوية والمحضر القادم لاجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC).

يُعتبر خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في ندوة جاكسون هول من أكثر الأحداث أهمية، حيث تُستخدم هذه المنصة غالباً لتوجيه إشارات حول الاتجاه المستقبلي للسياسة النقدية. يراقب المستثمرون كل كلمة بحثاً عن أي مؤشر على ما إذا كان البنك المركزي سيعيد التأكيد على الحذر أو سيعيد الأمل في سياسة نقدية أكثر تيسيراً. أي إشارة من باول نحو سياسة تشددية قد تزيد من الضغط على سعر البيتكوين والأصول الخطرة الأخرى.

التحليل الفني وتركيز السوق المتغير

من منظور التحليل الفني، يواجه سعر البيتكوين اختباراً حاسماً. تقع مناطق الدعم الفوري حالياً عند 114,500 إلى 115,500 دولار، وهو مستوى يجب أن يتماسك لمنع المزيد من الانخفاض. أما الدعم الأعمق والأكثر أهمية فيقع عند 110,000 إلى 112,000 دولار، والذي يمكن أن يمثل نقطة تحول حاسمة إذا تم كسره. في المقابل، تشكلت المقاومة عند 116,000 إلى 117,000 دولار، بينما تظل المقاومة الرئيسية قرب القمم السابقة عند 122,000 إلى 124,500 دولار. ورغم محاولات بعض المشترين “شراء عند الانخفاض” (buy the dip)، إلا أن المعنويات العامة لا تزال هشة وغير واثقة.

على صعيد آخر، يلاحظ الخبراء تحولاً في زخم السوق بعيداً عن البيتكوين نحو المشاريع البديلة المبتكرة ومنظومة الإيثريوم. مع تراجع هيمنة البيتكوين (Bitcoin Dominance)، يبحث المتداولون عن فرص في العملات البديلة التي قد تقدم عوائد أعلى في حال استقر السوق. يكتسب قطاع التمويل اللامركزي (DeFi) وحلول الطبقة الثانية (Layer 2) زخماً كبيراً، حيث تقدم هذه الحلول إمكانيات نمو واعدة، مما يجعلها وجهة جذابة لرؤوس الأموال في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على سعر البيتكوين.

في النهاية إن التراجع الأخير في سعر البيتكوين يمثل تذكيراً قوياً بأن سوق العملات الرقمية ليس بمعزل عن البيئة الاقتصادية الأوسع. يرتبط مصيره ارتباطًا وثيقًا بتطور توقعات سياسات الاحتياطي الفيدرالي ومخاطر التضخم المتجددة. يظهر السوق حالياً سلوكاً حذراً للغاية، حيث يقلل المستثمرون من تعرضهم للأصول الخطرة في انتظار وضوح أكبر من المسؤولين الاقتصاديين. يظل التركيز منصباً على الأحداث القادمة، والتي ستحدد ما إذا كانت حالة عدم اليقين الحالية ستتلاشى أم ستزيد من الضغط على السوق.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى