أسعار الذهب تتراجع مؤقتا مع ترقب المستثمرين لصدور بيانات اقتصادية أمريكية

شهدت أسعار الذهب تراجعًا طفيفًا في الأسواق العالمية اليوم، في ظل ارتفاع مؤقت لقيمة الدولار الأمريكي. ورغم هذا الانخفاض، فإن الصورة الأكبر تظل إيجابية للمعدن الأصفر، مدعومة بتزايد التوقعات ببدء دورة خفض أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. هذا التناقض يلقي الضوء على العلاقة المعقدة بين الذهب والدولار، وكيف أن السياسة النقدية الأمريكية هي المحرك الرئيسي لاتجاهات أسعار الذهب على المدى القريب والمتوسط.
العلاقة العكسية بين الدولار وأسعار الذهب
انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.3% إلى 3,346.19 دولار للأونصة. كما تراجعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي للتسليم في ديسمبر بنسبة 0.4% لتصل إلى 3,393.80 دولار.
تعد العلاقة بين الدولار الأمريكي وأسعار الذهب علاقة عكسية تقليدية، فالدولار هو العملة التي يتم بها تسعير الذهب عالميًا. عندما يرتفع مؤشر الدولار (DXY) – الذي يقيس قوة الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية – يصبح الذهب أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى، مما يقلل من جاذبية شرائه ويؤدي إلى انخفاض سعره. هذا ما حدث اليوم، حيث كان الارتفاع الطفيف للدولار سببًا مباشرًا في الضغط على أسعار الذهب.
يُعزز هذا التأثير أيضًا من خلال حقيقة أن المستثمرين يميلون إلى اعتبار الدولار ملاذًا آمنًا في حد ذاته. ففي أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو الجيوسياسي، قد يتدفق المستثمرون على الدولار بدلاً من الذهب، مما يؤدي إلى ارتفاع قيمته على حساب المعدن الثمين. هذه الديناميكية تجعل متابعة تحركات الدولار خطوة أساسية لفهم التقلبات اليومية في أسعار الذهب.
توقعات الفائدة المحرك الرئيسي للمعدن الأصفر
رغم تأثير الدولار، فإن العامل الأكثر أهمية في دعم أسعار الذهب على المدى الطويل هو السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي. العلاقة بين أسعار الفائدة والذهب بسيطة وفعالة: الذهب هو أصل لا يدر عائدًا، أي أنه لا يدفع فوائد أو توزيعات أرباح. لذلك، عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، تصبح الأصول الأخرى مثل السندات أو الودائع المصرفية أكثر جاذبية لأنها تقدم عوائد مضمونة. في المقابل، عندما تنخفض أسعار الفائدة، تقل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب، فيصبح أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن مخزن للقيمة.
في الوقت الحالي، تشير التوقعات بقوة إلى أن البنك الفيدرالي يتجه نحو خفض الفائدة في سبتمبر، حيث وصلت احتمالية هذا القرار إلى ما يقرب من 100%. هذه التوقعات مدفوعة ببيانات اقتصادية حديثة، منها ارتفاع معتدل في معدلات التضخم خلال شهر يوليو، وهو ما يمنح البنك المركزي مرونة أكبر في سياسته. كما أن تصريحات بعض المسؤولين مثل وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، التي لمحت إلى إمكانية خفض كبير للفائدة، عززت من هذه التوقعات وساهمت في دعم أسعار الذهب.
بيانات اقتصادية مرتقبة ودور الذهب كملاذ آمن
تترقب الأسواق اليوم بيانات اقتصادية أمريكية مهمة، بما في ذلك مؤشر أسعار المنتجين (PPI) وطلبات إعانة البطالة الأسبوعية. هذه البيانات توفر مؤشرات حيوية حول صحة الاقتصاد الأمريكي وستؤثر بشكل مباشر على قرارات الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية، مما يجعلها نقطة اهتمام قصوى للمستثمرين في الذهب.
بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، يلعب الذهب دورًا تاريخيًا كـ”ملاذ آمن” في أوقات الاضطرابات السياسية. ففي ظل التوترات الجيوسياسية العالمية، مثل الصراع في أوكرانيا، يميل المستثمرون إلى اللجوء إلى الذهب لحماية رؤوس أموالهم من تقلبات الأسواق المالية. هذا الطلب المتزايد على الذهب كأداة تحوط يساهم في دفع أسعار الذهب نحو الارتفاع حتى في ظل الضغوط الاقتصادية الأخرى.
نظرة على المعادن النفيسة الأخرى
في سياق متصل، تأثرت أسواق المعادن النفيسة الأخرى أيضًا. تراجعت الفضة، التي غالبًا ما تتبع مسار الذهب، بنسبة 0.6%. في المقابل، شهد البلاتين والبلاديوم ارتفاعًا طفيفًا، حيث صعد البلاتين بنسبة 0.1% والبلاديوم بنسبة 1%. هذه التحركات المتباينة تعكس تأثير عوامل خاصة بكل معدن، مثل الطلب الصناعي، خصوصًا وأن البلاتين والبلاديوم يُستخدمان بكثافة في قطاع صناعة السيارات.
في النهاية، بينما تواجه أسعار الذهب ضغوطًا قصيرة الأجل من قوة الدولار، فإن العوامل الأساسية على المدى الطويل لا تزال تدعم مساره الصعودي. التوقعات بخفض الفائدة، ودوره كملاذ آمن، والترقب لبيانات اقتصادية حاسمة، كلها عوامل تجعل الذهب في بؤرة اهتمام المستثمرين. يظل المعدن الأصفر حجر الزاوية في محافظ الاستثمار، خصوصًا في أوقات عدم اليقين.
اقرأ أيضا…