لماذا تتراجع أسعار النفط؟ تقرير IEA ولقاء القمة يلقيان بظلالهما على الأسواق
تراجعت أسعار النفط العالمية اليوم الأربعاء، وسط مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية التي أثارت قلق المستثمرين، وجاء هذا التراجع بشكل رئيسي نتيجة لتوقعات وكالة الطاقة الدولية (IEA) بشأن زيادة المعروض من النفط، بالإضافة إلى حالة من الترقب والحذر في الأسواق قبيل لقاء مرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين.
ويعكس هذا التفاعل بين البيانات الاقتصادية الصلبة والمخاوف الجيوسياسية الحساسة طبيعة سوق النفط المتقلبة، التي تتأثر بالمعادلات المعقدة للعرض والطلب والمخاطر السياسية.
توقعات وكالة الطاقة الدولية تضغط على أسعار النفط
في تقريرها الأخير الذي يحظى بمتابعة كبيرة، ألقت وكالة الطاقة الدولية بظلال من الشك على آفاق الطلب العالمي على النفط. فقد خفضت الوكالة توقعاتها للطلب لهذا العام، مشيرة إلى ضعف الأداء الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى وتأثير الضغوط التضخمية التي تحد من الإنفاق الاستهلاكي والصناعي.
وتعتبر التحديات التي تواجهها اقتصادات مثل منطقة اليورو والصين، والتي تعد محركات رئيسية للنمو، سبباً في تباطؤ الطلب على الطاقة. وفي المقابل، رفعت الوكالة توقعاتها لنمو المعروض العالمي من الخام، مع الأخذ في الاعتبار قرار مجموعة أوبك+ الأخير بزيادة الإنتاج، بالإضافة إلى المرونة التي أظهرها منتجو النفط من خارج المجموعة، وخاصة الولايات المتحدة.
هذا التوازن المائل نحو زيادة العرض ألقى بظلاله على معنويات السوق، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط بشكل ملحوظ. وانعكس هذا التراجع على أسعار العقود الآجلة، حيث انخفض خام برنت بـ 45 سنتًا، أي ما يعادل 0.7%، ليصل إلى 65.67 دولارًا للبرميل. أما أسعار النفط الخام الأمريكي غرب تكساس (WTI)، فقد تراجعت بنسبة 0.8%، أي 53 سنتًا، لتصل إلى 62.64 دولارًا للبرميل. ويؤكد هذا الانخفاض على مدى حساسية الأسواق تجاه أي إشارة بوجود فائض في المعروض، حيث يميل المستثمرون إلى البيع تحسبًا لخفض الأسعار في المستقبل.
لقاء بوتين وترامب يثير حذر المستثمرين
تترقب الأسواق العالمية القمة التي ستجمع الرئيسين الأمريكي والروسي يوم الجمعة في ألاسكا، حيث من المتوقع أن يناقش الزعيمان سبل إنهاء الحرب في أوكرانيا، التي أحدثت هزات كبيرة في أسعار النفط منذ فبراير 2022. لطالما أضافت التوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا “علاوة مخاطر” على أسعار النفط، وهي تعني أن المستثمرين يدفعون سعراً إضافياً للبرميل تحسباً لاحتمالية حدوث اضطرابات في الإمدادات. أي تطور إيجابي قد يخفف من هذه التوترات، يجعل أي محاولة لتهدئة الأوضاع محل اهتمام كبير من قبل التجار والمستثمرين.
ويرى المحلل في شركة PVM Oil، توماس فارغا، أن هذا اللقاء يثير توقعات بأن القمة لن تسفر عن عقوبات إضافية على روسيا، مما يضمن استمرار تدفق النفط الروسي إلى الجنوب والشرق، وبالتالي الحفاظ على استقرار إمداداته في السوق العالمية. ويعني ذلك عملياً إزالة جزء من علاوة المخاطر التي كانت تضاف على الأسعار، مما يساهم في دفعها نحو التراجع.
تقارير المخزونات الأمريكية تقدم إشارات متباينة
تترقب أسواق النفط اليوم تقرير إدارة معلومات الطاقة (EIA) الذي يعد المؤشر الرسمي لمستويات المخزونات في الولايات المتحدة، وهي أكبر مستهلك للنفط في العالم. وتأتي هذه التوقعات وسط بيانات متباينة، حيث أظهر تقرير من معهد البترول الأمريكي (API) يوم الثلاثاء ارتفاعًا في المخزونات بنحو 1.52 مليون برميل، مما أضاف المزيد من الضغط على الأسعار. وتأتي أهمية هذا التقرير في كونه مؤشراً أولياً لحالة العرض والطلب.
وفي سياق متصل، توقعت إدارة معلومات الطاقة في تقريرها الأسبوعي أن يبلغ متوسط سعر خام برنت أقل من 60 دولارًا للبرميل في الربع الأخير من العام، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2020. وتعد هذه التوقعات دليلاً قوياً على أن نمو المعروض العالمي من النفط سيفوق نمو الطلب على المنتجات النفطية، مما يرسل إشارة واضحة للمستثمرين بوجود ضعف محتمل في الأسعار على المدى القريب.
نظرة مستقبلية: دعم محتمل من أوبك+
على الرغم من العوامل الضاغطة على المدى القصير، أظهر تقرير منظمة أوبك الشهري عن العرض والطلب دعما لأسعار النفط على المدى الطويل. فقد رفعت المنظمة توقعاتها للطلب العالمي على النفط للعام المقبل، مدفوعة بتفاؤلها بشأن تعافي النمو الاقتصادي في بعض المناطق الرئيسية، مثل آسيا.
وفي الوقت نفسه، قلصت أوبك تقديراتها لنمو الإمدادات من خارج مجموعة أوبك+، مما يشير إلى أن الجهود المبذولة لضبط الإنتاج قد تؤدي إلى سوق أكثر شحاً في المعروض مستقبلاً. هذا التباين بين النظرة قصيرة المدى لوكالة الطاقة الدولية والنظرة طويلة المدى لمنظمة أوبك يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى التوقعات المستقبلية لسوق النفط، ويجعل من استراتيجيات الاستثمار في هذا القطاع عملية أكثر دقة وتحدياً.
اقرأ أيضا…
