أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

الدولار الأمريكي يتراجع بعد صدور بيانات التضخم

شهدت أسواق العملات العالمية تحركا لافتا مؤخرًا، حيث تراجعت قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات رئيسية أخرى مثل اليورو والجنيه الإسترليني. هذا التراجع لم يكن مفاجئا تماما للمراقبين والمحللين الاقتصاديين، بل جاء نتيجة مباشرة لبيانات اقتصادية مهمة صدرت من الولايات المتحدة، والتي فتحت الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات جديدة للسياسة النقدية الأمريكية.

بيانات التضخم: المؤشر الأهم ومفتاح قرار الفيدرالي

السبب الرئيسي وراء ضعف الدولار الأمريكي هو صدور تقرير مؤشر أسعار المستهلك (CPI) لشهر يوليو، والذي أظهر ارتفاعًا معتدلاً في التضخم. فوفقًا لبيانات وزارة العمل الأمريكية، ارتفع المؤشر بنسبة 0.2% فقط على أساس شهري، وهو أقل من توقعات الاقتصاديين الذين كانوا يتوقعون ارتفاعًا بنسبة 0.2%. أما على أساس سنوي، فقد استقر معدل التضخم عند 2.7%، محافظًا على مستوياته من الشهر السابق، في حين كانت التوقعات تشير إلى ارتفاع طفيف إلى 2.8%.

ماذا يعني هذا بالأساس؟ يعني أن وتيرة ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة تتباطأ، أو على الأقل لا تتسارع بشكل يثير قلق صناع السياسات. هذا التباطؤ يمنح البنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) مساحة أكبر للمناورة، خاصة في ظل وجود علامات على ضعف محتمل في سوق العمل. ولتوضيح أهمية هذا المؤشر، فإن التضخم يُعتبر مقياسًا أساسيًا لقوة الاقتصاد، فإذا كان مرتفعًا جدًا، فإنه يلتهم القوة الشرائية للأفراد ويضر بالاقتصاد، أما إذا كان منخفضًا جدًا، فقد يشير إلى ضعف في الطلب.

سيناريو خفض الفائدة الأمريكية

لطالما كان التضخم هو الشغل الشاغل للبنك الاحتياطي الفيدرالي. ويستند البنك في قراراته إلى “تفويض مزدوج”: الحفاظ على استقرار الأسعار (السيطرة على التضخم) وتحقيق أقصى قدر من التوظيف. فعندما يكون التضخم مرتفعًا، غالبًا ما يرفع البنك أسعار الفائدة للحد من الإنفاق وكبح جماح الأسعار. والعكس صحيح، عندما يبدو التضخم تحت السيطرة، يمكن للبنك المركزي أن يفكر في خفض أسعار الفائدة لتحفيز الاقتصاد من خلال جعل الاقتراض أرخص للشركات والأفراد، مما يشجع على الاستثمار والإنفاق.

وبما أن بيانات التضخم الأخيرة جاءت معتدلة، فقد زادت التوقعات بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه نحو خفض سعر الفائدة في اجتماعه المقبل في شهر سبتمبر. ويعزز هذه التوقعات أيضا البيانات الضعيفة التي صدرت عن سوق العمل مؤخرا، والتي أظهرت تباطؤ في وتيرة التوظيف. وفي هذا السياق، صرّح كارل شاموتا، كبير استراتيجيي الأسواق في شركة “كورباي”، أن “التضخم الأساسي لا يزال منخفضًا، مما يمنح صانعي السياسات مجالًا للمناورة”. وأشار إلى أن رئيس البنك الفيدرالي، جيروم باول، قد يضع خيار خفض الفائدة على الطاولة خلال خطابه المرتقب في جاكسون هول، وهو مؤتمر اقتصادي سنوي يترقبه المستثمرون بشغف لاستشراف مستقبل السياسة النقدية.

انعكاسات على أسواق العملات العالمية

تؤثر قرارات البنوك المركزية بشكل مباشر على قيمة عملاتها. فعندما ترتفع الفائدة في بلد ما، يصبح الاستثمار في أصوله (مثل السندات الحكومية) أكثر جاذبية، مما يزيد الطلب على عملته وبالتالي ترتفع قيمتها. وعندما تنخفض الفائدة، يقل هذا الجاذبية، مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة.

لذلك، فإن توقعات خفض الفائدة على الدولار الأمريكي جعلت الدولار أقل جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة. وقد انعكس هذا مباشرة على أداء العملات الأخرى:

  • اليورو: مسح اليورو خسائره السابقة وارتفع مقابل الدولار، حيث أصبح عند سعر 1.16235 دولار. يعكس هذا جزئيًا التوقعات بأن البنك المركزي الأوروبي قد لا يكون على عجلة من أمره لخفض الفائدة، مما يجعل اليورو أكثر جاذبية نسبيًا.
  • الجنيه الإسترليني: ارتفع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.4%، رغم أن بيانات سوق العمل البريطاني كانت تشير إلى تباطؤ، إلا أن نمو الأجور ظل قويًا. هذا المزيج من البيانات جعل بنك إنجلترا مترددًا بشأن تسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة، مما دعم قيمة الجنيه الإسترليني. فقد قام البنك المركزي البريطاني بتخفيض الفائدة في الأسبوع الماضي بفارق ضئيل (5 مقابل 4 أصوات)، مما يؤكد الانقسام حول توقيت وضرورة هذا القرار.
  • الين الياباني: قلص الدولار الأمريكي مكاسبه مقابل الين، ليصبح سعر صرفه 148.390 ين. غالبًا ما يُنظر إلى الين على أنه ملاذ آمن، ولكن موقعه يعتمد أيضًا على فروق العوائد بين السندات الحكومية اليابانية والأمريكية. عندما تضيق هذه الفروق، كما يحدث الآن بسبب توقعات خفض الفائدة الأمريكية، يقل الضغط على الين.
  • الدولار الأسترالي: تراجع الدولار الأسترالي بعد أن قرر البنك المركزي الأسترالي خفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة، مستشهداً بتباطؤ التضخم ومرونة سوق العمل. على عكس الولايات المتحدة، حيث تُعتبر البيانات الاقتصادية الضعيفة سببًا لخفض الفائدة (وهو ما يضعف العملة)، فإن البنك الأسترالي اتخذ بالفعل خطوة استباقية. وفي هذا الصدد، أشار آدم بويتون، رئيس قسم الاقتصاد الأسترالي في بنك ANZ، إلى أن “الاحتمال الأكبر هو أن يتبع ذلك خفض آخر في نوفمبر”.

عوامل أخرى مؤثرة على الدولار

لا تقتصر حركة الدولار الأمريكي على قرارات البنوك المركزية وحدها، بل تتأثر بعوامل جيوسياسية واقتصادية أخرى. من بين هذه العوامل، عادت التكهنات حول منصب رئيس البنك الفيدرالي إلى الواجهة بعد تصريح الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، جيمس بولارد، بأنه سيقبل المنصب إذا عُرض عليه. وأوضح بولارد أنه سيقبل الوظيفة “إذا كان بإمكاننا حماية قيمة الدولار… هذا سيعطينا أسعار فائدة أقل بمرور الوقت؛ إذا كنا نهدف إلى تضخم منخفض ومستقر، ونحترم استقلالية المؤسسة بموجب قانون الاحتياطي الفيدرالي”.

عامل آخر مهم هو التوترات التجارية. ففي يوم الثلاثاء، تجاهلت أسواق العملات إلى حد كبير قرار الرئيس ترامب الأخير بفرض رسوم جمركية أعلى على الواردات الصينية لمدة 90 يومًا إضافية. هذا التجاهل يعكس أن الأسواق كانت تتوقع هذا القرار بالفعل. ومع ذلك، فإن هذه السياسات الحمائية يمكن أن تؤثر على النمو العالمي وتخلق حالة من عدم اليقين، مما يجعل التنبؤ بحركة الدولار الأمريكي في نهاية العام أمرًا صعبًا، وفقًا لشاموتا.

توقعات مستقبلية

صحيح أن التراجع الحالي في قيمة الدولار يرجع إلى توقعات خفض الفائدة، لكن الوضع الاقتصادي العالمي لا يزال معقدًا. لا يمكن استبعاد ارتفاع مفاجئ في التضخم أو تحسن في البيانات الاقتصادية الأمريكية، مما قد يؤجل خطط الفيدرالي ويغير مسار الدولار.

هذه التقلبات في أسواق العملات تظهر مدى حساسية الأسواق تجاه البيانات الاقتصادية، وكيف يمكن لتقرير واحد عن التضخم أن يغير بشكل كبير التوقعات للسياسات النقدية ويؤثر على قيمة العملات حول العالم. بالنسبة للمستثمرين والأفراد على حد سواء، يظل فهم هذه العوامل هو المفتاح لاتخاذ قرارات مالية حكيمة في بيئة اقتصادية دائمة التغير.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى