أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تستقر وسط توازن دقيق بين زيادة إنتاج “أوبك+” ومخاوف روسيا

شهدت أسواق النفط استقراراً نسبياً اليوم الثلاثاء، في خضم تقييم المتداولين لمجموعة من القوى المتعارضة التي تسحب السوق في اتجاهات مختلفة. فمن جهة، تعمل زيادة الإمدادات التي أقرها تحالف “أوبك+” على تخفيف الضغوط السعرية، فيما تثير التوترات الجيوسياسية ومخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي حالة من عدم اليقين. هذا التوازن الدقيق يضع السوق في حالة ترقب، مع انخفاض سعر خام برنت إلى 68.50 دولار للبرميل وخام غرب تكساس إلى 66.22 دولار، وهي أدنى مستوياتهما في أسبوع، مما يعكس حذراً متزايداً من قبل المستثمرين الذين يراقبون عن كثب كل من قرارات الإنتاج والبيانات الاقتصادية الكبرى.

“أوبك+” تنهي خفض الإنتاج بزيادة الإمدادات

اتفق تحالف الدول المنتجة للنفط “أوبك+” على زيادة إنتاج النفط بمقدار 547 ألف برميل يومياً اعتباراً من شهر سبتمبر. يعتبر هذا القرار بمثابة نهاية مبكرة لأحدث جولة من تخفيضات الإنتاج الطوعية التي كانت تهدف إلى دعم الأسعار. تأتي هذه الخطوة مدفوعة بتوقعات التحالف حول استقرار أساسيات السوق، والتي انعكست في انخفاض مخزونات النفط العالمية. هذا التحول في الاستراتيجية يشير إلى رغبة “أوبك+” في استعادة حصة سوقية أكبر بدلاً من التركيز المطلق على رفع الأسعار.

يعكس هذا القرار ثقة في استمرارية الطلب العالمي على النفط على المدى القصير، على الرغم من المخاوف الاقتصادية. وقد أكد محللون أن هذه الزيادة المخطط لها، وإن كانت كبيرة، لا تزال ضمن النطاق الذي يسمح للسوق بامتصاصها دون إحداث هزة كبيرة، مما يمنح التحالف مرونة أكبر في التعامل مع التطورات المستقبلية. يفسر المحللون هذا التحول بأنه محاولة من التحالف للتأقلم مع المشهد المتغير للسوق، وتجنب فقدان الحصة لصالح المنتجين خارج “أوبك+” الذين يستفيدون من الأسعار المرتفعة. كما أنه يبعث برسالة طمأنة للمستهلكين والحكومات بأن التحالف على استعداد لتلبية احتياجات السوق، وهو ما يحد من احتمالية التدخل السياسي أو الاقتصادي المباشر من قبل الدول الكبرى المستوردة.

تهديدات ترامب للهند تلقي بظلالها على النفط الروسي

على الجانب الآخر، أضافت التوترات السياسية طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد. فقد جدد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، تهديداته بفرض رسوم جمركية أعلى على السلع الهندية، وذلك بسبب استمرار نيودلهي في شراء النفط الروسي. وتعتبر الهند أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحراً، حيث استوردت حوالي 1.75 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من هذا العام، مما يمنحها ميزة اقتصادية كبيرة في ظل أسعار النفط الروسي المخفضة التي توفرها لها موسكو.

ورغم هذه التهديدات، لم تتأثر الأسعار بشكل كبير، مما يشير إلى تشكيك المتعاملين في أن يؤدي هذا التوتر إلى اضطراب فعلي في الإمدادات. يرى بعض المحللين، مثل جون إيفانز من شركة “PVM” للوساطة في النفط، أن ترامب قد لا يغامر برفع أسعار النفط العالمية، وهو ما سيكون نتيجة حتمية لمعاقبة عملاء الطاقة الروسية. إن أي محاولة لعرقلة هذا التدفق النفطي ستؤدي حتماً إلى ارتفاع الأسعار، الأمر الذي قد يضر بالاقتصاد الأمريكي ويزيد من التضخم، وهو ما قد يتعارض مع الأهداف السياسية لترامب. من جانبها، ردت نيودلهي على التهديدات واصفة إياها بـ “غير المبررة”، وتعهدت بحماية مصالحها الاقتصادية، مما يؤكد على أن الهند لن تتخلى عن مصادر طاقتها الروسية بسهولة. هذا الصراع التجاري المحتمل يضع ضغطاً على أسعار النفط لكنه لا يسبب تحركاً كبيراً ما دامت المخاطر تعتبر نظرية وليست واقعية.

مخاوف من تباطؤ الطلب العالمي تلوح في الأفق

بالتوازي مع هذه التطورات، عادت المخاوف بشأن الطلب على النفط لتتصدر المشهد، خاصة مع وجود مؤشرات على تباطؤ محتمل في النمو الاقتصادي. حيث أشار بنك “جيه بي مورغان” في تقرير حديث إلى أن مخاطر حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة أصبحت عالية. يأتي هذا التحذير في ظل استمرار التحديات الاقتصادية مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، والتي قد تؤدي إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار، وبالتالي انخفاض الطلب على الطاقة.

وفي الصين، التي تُعد أكبر مستورد للنفط في العالم، أشار اجتماع المكتب السياسي في يوليو إلى عدم وجود المزيد من التيسير في السياسات الاقتصادية، مع التركيز على إعادة التوازن الهيكلي. هذه السياسة تعني أن بكين قد تبتعد عن التحفيز الاقتصادي الكبير الذي كان يدفع نمو الطلب على النفط في الماضي، وتركز بدلاً من ذلك على الاستقرار طويل المدى. هذه الإشارات تزيد من القلق بشأن قوة الطلب في النصف الثاني من العام، مما يضع ضغوطاً على الأسعار ويحد من أي مكاسب قد تنتج عن التوترات الجيوسياسية.

في النهاية تستمر أسواق النفط في العمل ضمن توازن معقد ومتوتر. فمن ناحية، تساهم زيادة إنتاج النفط من قبل “أوبك+” في توفير إمدادات إضافية للسوق، وهو ما يحد من الارتفاعات السعرية. ومن ناحية أخرى، تعمل التهديدات الجيوسياسية والمخاوف المتزايدة من تباطؤ الاقتصاد العالمي كعوامل معاكسة تمنع الأسعار من التراجع بشكل حاد. يبقى السوق في حالة ترقب، مع مراقبة دقيقة لأي تطورات قد تغير هذا التوازن، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، والتي ستحدد مسار الأسعار في الأشهر المقبلة. إن التفاعل بين هذه القوى المتناقضة هو ما سيشكل الاتجاه المستقبلي للأسواق، ومن المرجح أن يستمر التقلب في الأسعار ما لم يظهر عامل مهيمن يخل بهذا التوازن الدقيق.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى