الأسواق الأمريكية تستعيد عافيتها بعد هبوط يوم الجمعة

شهدت الأسواق الأمريكية بداية قوية للأسبوع، حيث حققت مؤشرات الأسهم الرئيسية مكاسب ملحوظة، مستعيدةً جميع الخسائر التي تكبدتها في الجلسة السابقة. هذا الارتداد جاء بعد حالة من القلق سادت الأسبوع الماضي بسبب بيانات اقتصادية ضعيفة وإعلان إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن جولة جديدة من التعريفات الجمركية. يمثل هذا الانتعاش نوعًا من “الارتداد الطبيعي” الذي غالبًا ما يتبع فترات البيع المكثف، ولكنه يأتي وسط حالة من الحذر والترقب للمستجدات الاقتصادية والسياسية.
انتعاش ملحوظ يقود مؤشر داو جونز
انطلق مؤشر داو جونز الصناعي (Dow Jones Industrial Average) محققًا قفزة بلغت 562 نقطة، أي ما يعادل 1.3%. ولم يكن داو جونز وحده من يحقق المكاسب، إذ ارتفع مؤشر S&P 500 بنسبة 1.4%، بينما سجل مؤشر ناسداك المركب (Nasdaq Composite) مكاسب قوية بلغت 1.8%. هذا الأداء القوي يعكس رغبة المستثمرين في استعادة المراكز التي باعوها على عجل في الجلسة السابقة، مستفيدين من مستويات الأسعار المنخفضة.
وفي تعليق على هذا الانتعاش، وصف سام ستوفال، كبير استراتيجيي الاستثمار في “CFRA Research”، ما حدث بأنه “يوم ارتداد طبيعي”. وأضاف ستوفال: “تميل الأسهم إلى الارتفاع بعد أي تراجع، وهذا ما يحدث الآن”. لكنه دعا إلى الحذر، مضيفاً: “علينا أن ننتظر ونرى ما سيحدث غدًا، فقد يفكر المستثمرون في جني بعض الأرباح بعد هذه المكاسب”. يشير هذا إلى أن الارتفاع الحالي قد يكون مؤقتًا، ويحمل في طياته مخاوف من عمليات بيع لجني الأرباح في الأيام القادمة، خاصة في ظل حالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد العالمي.
أسباب التراجع الحاد يوم الجمعة: بيانات ضعيفة وقرارات سياسية
كانت الأسواق قد شهدت موجة بيع مكثفة يوم الجمعة الماضي، بعد صدور تقرير وظائف أضعف من المتوقع، والذي تضمن مراجعات سلبية لأرقام التوظيف في شهري مايو ويونيو. تثير هذه البيانات المخاوف بشأن تباطؤ محتمل في سوق العمل الأمريكي، مما قد يؤثر على الإنفاق الاستهلاكي وبالتالي على النمو الاقتصادي ككل. وتزامنًا مع هذا التقرير المخيب للآمال، أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس مكتب إحصاءات العمل، معلنًا عزمه على تعيين مفوض جديد للمكتب في الأيام المقبلة، في خطوة فسرها البعض على أنها محاولة للتأثير على البيانات الاقتصادية أو التشكيك في مصداقيتها، وهو ما زاد من قلق الأسواق.
ولم تقتصر أسباب التراجع على البيانات الاقتصادية وحدها، فقد زادت حالة عدم اليقين في الأسواق بفعل إعلان ترامب عن تعريفات جمركية “متبادلة” جديدة. فقد وقع الرئيس ترامب أمرًا تنفيذيًا في وقت متأخر من الأسبوع الماضي، يقوم بتحديث التعريفات الجمركية على عشرات من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، بما في ذلك دول مثل سوريا وتايوان، بنسب تتراوح بين 10% و 41%. وتأتي هذه الخطوة لتؤكد على سياسة الإدارة التجارية التي تعتمد على التصعيد، وتثير المخاوف من حرب تجارية أوسع قد تؤثر على سلاسل الإمداد العالمية وتهدد النمو الاقتصادي.
الأنظار تترقب التجارة والأرباح: محادثات ستوكهولم ونتائج الشركات
مع خلو الأجندة الاقتصادية من البيانات المهمة هذا الأسبوع، يركز المستثمرون على تطورات المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. تأتي هذه المتابعة بعد لقاء كبار المسؤولين من البلدين في ستوكهولم بالسويد الأسبوع الماضي، حيث أعلن وزير الخزانة سكوت بيسنت أن “لدينا مقومات للتوصل إلى اتفاق”. ومع ذلك، لا تزال هناك نقاط خلاف جوهرية، مثل إصرار الولايات المتحدة على ضرورة توقف الصين عن شراء النفط من إيران وروسيا، وهو ما ترفضه بكين بشدة، معتبرة إياه تدخلاً في سيادتها.
كما يترقب المستثمرون هذا الأسبوع إصدارات أرباح الشركات، ومن أبرزها شركة “بالانتير“ (Palantir) التي من المقرر أن تعلن نتائجها بعد إغلاق السوق يوم الاثنين، وشركة “إيه إم دي“ (AMD) التي ستنشر تقريرها يوم الثلاثاء. وتكتسب نتائج هذه الشركات أهمية خاصة، فبالانتير تعد من الشركات الرائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وتُعد نتائجها مؤشرًا على مدى قوة هذا القطاع، بينما تعد AMD لاعبًا رئيسيًا في سوق أشباه الموصلات، ومنافستها المباشرة لشركة إنفيديا تجعل تقريرها محط اهتمام بالغ. ستوفر تقارير الأرباح هذه رؤية أوضح حول أداء الشركات في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، وتساهم في تشكيل توقعات المستثمرين للمستقبل.
تحذير تاريخي من شهر أغسطس: هل يعيد التاريخ نفسه؟
يستعد السوق لدخول شهر أغسطس، والذي يُعد تاريخياً شهرًا صعبًا. فوفقًا لـ “Stock Trader’s Almanac“، يُعد شهر أغسطس أسوأ شهر لمؤشر داو جونز منذ عام 1988، وثاني أسوأ شهر لمؤشري S&P 500 و ناسداك المركب. يعود هذا النمط الموسمي إلى عدة عوامل، منها انخفاض أحجام التداول نتيجة قضاء العديد من المستثمرين إجازاتهم الصيفية، مما يجعل السوق أكثر عرضة للتقلبات الحادة. كما أن حالة عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية غالبًا ما تتصاعد في هذا التوقيت. هذا التحذير التاريخي يضيف طبقة من الحذر إلى التفاؤل الحالي، ويدفع المستثمرين إلى مراقبة تطورات السوق عن كثب واتخاذ قرارات استثمارية مدروسة لتجنب الوقوع في فخ التقلبات.
اقرأ أيضا….