الدولار الأمريكي يستقر وسط بيانات اقتصادية متباينة

شهد الدولار الأمريكي أداء متباينا يوم الثلاثاء، حيث قلص خسائره ليتداول بقوة أكبر مقابل الين الياباني، وذلك بعد أن أظهرت بيانات اقتصادية أن المستهلكين الأمريكيين أصبحوا أكثر حذرًا. يأتي هذا التطور في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن التضخم والتجارة، وقبيل قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة في وقت لاحق من هذا الأسبوع. تُبقي هذه العوامل المتداخلة، بالإضافة إلى تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، مزاج السوق متوترًا.
أداء الدولار يتباين في ظل بيانات مبيعات التجزئة
في وقت مبكر من اليوم، تراجع الدولار الأمريكي بعد صدور بيانات مبيعات التجزئة الأمريكية لشهر مايو، والتي جاءت أضعف من المتوقع. فقد انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 0.9% في مايو، وهو ما فاق التوقعات التي كانت تشير إلى تراجع بنسبة 0.5%، ويُشير إلى أن المستهلكين أصبحوا أكثر حذرًا في إنفاقهم. ومع ذلك، سرعان ما عكس الدولار هذه الخسائر مع استيعاب السوق للصورة المختلطة التي قدمتها البيانات، حيث ظل الإنفاق الاستهلاكي مدعومًا بنمو قوي في الأجور. هذا التحول في أداء الدولار يعكس مدى حساسية السوق لأي إشارة حول قوة المستهلك الأمريكي.
وقد أشار أوتو شينوهارا، كبير استراتيجيي الاستثمار في Mesirow Currency Management، إلى أن “إصدار مبيعات التجزئة الرئيسي الأضعف وقراءة مؤشر أسعار المستهلك الأضعف الأسبوع الماضي، يضيفان مزيدًا من الوقود لتكهنات خفض أسعار الفائدة، بما في ذلك دعوات (الرئيس الأمريكي) ترامب لخفض بمقدار 100 نقطة أساس”. وأضاف: “ومع ذلك، فإن التأثير التضخمي الكامل للتعريفات الجمركية لم يظهر بعد”.
البنك المركزي الياباني: تثبيت الفائدة وتحديات المخاطر العالمية
في وقت سابق يوم الثلاثاء، لم يُقدم بنك اليابان (BOJ) مفاجآت تذكر للأسواق في ختام اجتماعه للسياسة النقدية الذي استمر يومين. فقد أبقى البنك على أسعار الفائدة دون تغيير عند مستوى 0.50%، وهو ما توقعه معظم الاقتصاديين والمحللين. كما وضع البنك خطة جديدة لإبطاء وتيرة تخفيض ميزانيته العمومية العام المقبل، وذلك في مواجهة المخاطر المتزايدة مثل الصراع في الشرق الأوسط والتعريفات الجمركية الأمريكية.
تذبذب الين الياباني بين الخسائر والمكاسب بعد القرار، وتحول إلى السلبية خلال المؤتمر الصحفي للمحافظ كازو أويدا. وفي أواخر التداولات، ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 0.25% مقابل الين ليصل إلى 145.17 ين. يأتي هذا في ظل عدم توصل رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا والرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد إلى اتفاق تجاري ثنائي، مما يُبقي على حالة عدم اليقين في العلاقات التجارية.
الشرق الأوسط وصراع متصاعد يبقي على التوتر ويؤثر على معنويات المخاطرة
يظل الشعور العام بالمخاطرة هشًا في الأسواق العالمية، مع دخول الصراع الإسرائيلي-الإيراني يومه الخامس. وقد صرح الرئيس ترامب يوم الثلاثاء بأنه يريد “نهاية حقيقية” للنزاع النووي مع إيران، وأشار إلى أنه قد يرسل مسؤولين أمريكيين كبارا للاجتماع مع الجمهورية الإسلامية. يأتي هذا بعد أنباء يوم الاثنين عن مغادرة ترامب قمة مجموعة السبع في كندا مبكرا بسبب الوضع في الشرق الأوسط، وطلبه تجهيز مجلس الأمن القومي في غرفة العمليات.
وقد علق آدم بوتون، كبير محللي العملات في ForexLive، قائلاً: “السوق يحول تركيزه باستمرار بين الحرب في الشرق الأوسط والحرب التجارية. لذلك، أعتقد أن السوق يواجه صعوبة في الحفاظ على التركيز على البيانات الاقتصادية، حتى مع اقتراب اجتماع الاحتياطي الفيدرالي غدا”.
وتجدر الإشارة إلى أن تصاعد الهجمات بين إسرائيل وإيران قد دفع أسعار خام برنت نحو الارتفاع، مما يضيف ضغطا تضخميا محتملاً ويزيد من قلق المستثمرين. يشير مسؤولون في إسرائيل إلى أن الرد على الهجوم الإيراني قد يستغرق وقتًا أطول مما توقعه البعض، وأن الإدارة الأمريكية تعمل على احتواء الصراع. كما تُشير بعض التقارير إلى أن إيران تُمدد إغلاق مجالها الجوي وتُعلن عن إغلاق مطار طهران الدولي.
الفيدرالي الأمريكي في بؤرة اهتمام سوق العملات الأجنبية
يُعد قرار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي يوم الأربعاء محور اهتمام مراقبي سوق العملات الأجنبية. التوقعات تُشير إلى أن البنك المركزي سيُبقي أسعار الفائدة ثابتة، على الرغم من أن التركيز سينصب على أي توجيهات بشأن آفاق أسعار الفائدة المستقبلية.
ويرى كارل شاموتا، كبير استراتيجيي السوق في Corpay، أن “تداعيات مسار سياسة الاحتياطي الفيدرالي مختلطة، ومن المرجح ألا تتضح إلا بعد بضعة أشهر”. وأضاف: “في الوقت الحالي، لا يوجد خطر كبير في الانتظار قبل إطلاق جولة أخرى من تخفيضات أسعار الفائدة، لذا نتوقع رسالة متشددة تدريجياً من اجتماع الغد”. هذا يعني أن الفيدرالي قد يُحافظ على لهجة حذرة، مع التأكيد على اعتماده على البيانات.
كما يتطلع المستثمرون إلى قرارات البنوك المركزية الأخرى، بما في ذلك بنك إنجلترا والبنك المركزي السويدي (Riksbank) في وقت لاحق من هذا الأسبوع، لتوجيه التحركات القادمة في الأسواق.
أداء العملات الأخرى: اليورو والجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي
تراجع اليورو بنسبة 0.37% ليصل إلى 1.1516 دولار. كما انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 0.5% مقابل الدولار ليصل إلى 1.3506 دولار. يأتي هذا في أعقاب توقيع ترامب اتفاقاً يوم الاثنين يُخفّض رسميًا بعض التعريفات الجمركية على الواردات من بريطانيا، مع استمرار البلدين في العمل نحو اتفاق تجاري رسمي.
في المقابل، تراجع الدولار الأسترالي الحساس للمخاطر بنسبة 0.22% ليصل إلى 0.65103 دولار أمريكي. وفي الوقت نفسه، ارتفع مؤشر الدولار مقابل سلة من العملات بنسبة 0.3% ليصل إلى 98.49.
في النهاية يعاني الدولار الأمريكي من حالة من التقلب والترقب، حيث يُوازن بين البيانات الاقتصادية المتباينة، وتداعيات صراع الشرق الأوسط المتصاعد، والضغوط السياسية المرتبطة بالتعريفات الجمركية. ستبقى الأنظار متجهة نحو قرار الاحتياطي الفيدرالي وتصريحاته حول مسار أسعار الفائدة، بالإضافة إلى أي تطورات في الشرق الأوسط، والتي ستُحدد مجتمعة مسار الدولار الأمريكي والأسواق العالمية في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا…