أسعار الذهب تتراجع: الدولار يتعافى ومخاوف السياسات التجارية تسيطر على المستثمرين

شهدت أسعار الذهب تراجعا يوم الثلاثاء، بعد أن اقتربت من أعلى مستوى لها في أربعة أسابيع خلال جلسة التداول. جاء هذا الانكماش نتيجة لارتداد طفيف في قيمة الدولار الأمريكي وعمليات جني أرباح، بينما ظل المستثمرون يتوخون الحذر الشديد وسط السياسات التجارية الأمريكية المتقلبة. هذه العوامل المتداخلة ترسم صورة معقدة لمستقبل المعدن الأصفر، الذي يُنظر إليه كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين.
تراجع الذهب: الأرقام ومؤشرات السوق
انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.7% ليصل إلى 3355.79 دولار للأونصة، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ 8 مايو في وقت سابق من الجلسة. كما تراجعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بنسبة 0.5% لتسجل 3380.40 دولار. هذا التراجع يأتي بعد مكاسب قوية شهدها الذهب الأسبوع الماضي، حيث صعد بنحو 2% مدفوعًا بمخاوف تجارية وجيوسياسية.
وتعد العلاقة العكسية بين الذهب والدولار عاملاً رئيسياً في تحركات الأسعار. فقد ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.5% مقابل العملات الرئيسية الأخرى، بعد أن كان قد بلغ أدنى مستوى له في أكثر من شهر في الجلسة السابقة. قوة الدولار تجعل الذهب المقوم به أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى، مما يقلل من جاذبيته.
وعلق أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، قائلا إن “هذه الحركة (في الذهب) مدعومة بضعف الدولار وتجدد الطلب على الاستثمارات البديلة وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية والتجارية”. وأضاف: “هذه التطورات هي السبب الرئيسي وراء رؤيتنا لبعض جني الأرباح الخفيف بعد مكاسب الأمس القوية”.
السياسات التجارية الأمريكية مصدر مستمر لعدم اليقين
يراقب المستثمرون عن كثب الاتصال المحتمل هذا الأسبوع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الصيني شي جين بينغ، والذي أكدته المتحدثة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت. يأتي هذا الاتصال بعد أيام فقط من اتهام ترامب للصين بانتهاك اتفاق لخفض التعريفات والقيود التجارية، مما يشير إلى استمرار التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم.
وفي سياق متصل، قال الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين إنه سيضغط على الولايات المتحدة لخفض أو إلغاء التعريفات الجمركية، على الرغم من خطة ترامب لمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم إلى 50% بحلول يوم الأربعاء. هذه التصريحات المتضاربة من شأنها أن تبقي الأسواق في حالة من عدم اليقين.
وفي تطور آخر، تحث إدارة ترامب الدول على تقديم أفضل عروضها التجارية بحلول يوم الأربعاء، بهدف تسريع المحادثات قبل مهلة نهائية مدتها خمسة أسابيع، وفقًا لمسودة رسالة اطلعت عليها رويترز. هذه السياسة التجارية المتقلبة تجعل بيئة الاستثمار في الذهب أكثر تعقيدا.
آفاق الاقتصاد العالمي وإشارات أسعار الفائدة
خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يوم الثلاثاء توقعاتها للنمو الاقتصادي العالمي، متوقعة تباطؤا من 3.3% العام الماضي إلى 2.9% في عامي 2025 و 2026. هذه التوقعات جاءت أقل من تقديرات مارس التي كانت تشير إلى نمو بنسبة 3.1% هذا العام و3.0% العام المقبل. تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي غالبا ما يدعم جاذبية الذهب كملاذ آمن، حيث يقلل من شهية المخاطرة لدى المستثمرين.
وسيركز المستثمرون هذا الأسبوع أيضاً على بيانات الوظائف غير الزراعية الأمريكية المقرر صدورها يوم الجمعة، بالإضافة إلى خطابات عدد من صانعي السياسات في الاحتياطي الفيدرالي للحصول على إشارات حول مسار أسعار الفائدة. يميل الذهب، الذي لا يدر عوائد، إلى الأداء الجيد في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. أي إشارة إلى أن أسعار الفائدة قد تظل مرتفعة لفترة أطول، أو أن وتيرة الخفض ستكون أبطأ مما كان متوقعًا، يمكن أن تضغط على أسعار الذهب. ومع ذلك، فإن المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي قد تعوض هذا الضغط.
في النهاية يتأثر الذهب حاليا بتوازن دقيق بين عوامل متضاربة. فمن جهة، يدفع ارتفاع الدولار وعمليات جني الأرباح الأسعار نحو التراجع. ومن جهة أخرى، فإن حالة عدم اليقين المستمرة بشأن السياسات التجارية الأمريكية، وتصاعد التوترات بين القوى الاقتصادية الكبرى، بالإضافة إلى توقعات تباطؤ النمو العالمي، كلها عوامل توفر دعماً أساسياً لجاذبية الذهب كملاذ آمن. سيظل المستثمرون يراقبون عن كثب التطورات الجيوسياسية والبيانات الاقتصادية الرئيسية، حيث ستكون هذه العوامل مفتاحية في تحديد مسار أسعار الذهب في الفترة القادمة.
اقرأ أيضا…