أسعار الذهب تتألق: هل يعود الملاذ الآمن مع تصاعد المخاطر التجارية والجيوسياسية؟

شهدت أسعار الذهب ارتفاعا كبيرا، بنحو 2%، لتصل إلى أعلى مستوى لها في أسبوع واحد يوم الاثنين. جاء هذا الارتفاع مدفوعا بطلب متزايد على الذهب كملاذ آمن، حيث أدت التهديدات المتجددة لفرض تعريفات جمركية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا إلى تأجيج المخاوف التجارية والجيوسياسية العالمية. هذه الديناميكيات المعقدة تعيد تسليط الضوء على دور الذهب كمخزن للقيمة في أوقات عدم اليقين.
قفزة الذهب: الأرقام ومؤشرات السوق
ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 1.9% ليصل إلى 3352.69 دولار للأونصة، بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ 23 مايو في وقت سابق من الجلسة. كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بنسبة 1.9% لتسجل 3377.50 دولاراً، مما يعكس تزايد الثقة في المعدن الأصفر.
وتراجع مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.5% مقابل العملات الرئيسية الأخرى، بعد أن صرح ترامب في وقت متأخر من يوم الجمعة بأنه يخطط لمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألومنيوم إلى 50%. كما جاء هذا التراجع في الدولار بعد رد بكين على اتهامات الولايات المتحدة بأنها انتهكت اتفاقاً بشأن شحنات المعادن الحيوية. يذكر أن ضعف الدولار يجعل الذهب المقوم بالعملة الخضراء أكثر جاذبية لحاملي العملات الأخرى، لأنه يصبح أرخص بالنسبة لهم، مما يعزز الطلب عليه.
وأشار جيوفاني ستونوف، المحلل لدى UBS، إلى أن “عزوف المستثمرين عن المخاطرة مع انخفاض الأسهم الأمريكية في آسيا يعد أحد العوامل، والآخر هو تصاعد التوترات الجيوسياسية – بما في ذلك تصعيد التوترات بين أوكرانيا وروسيا – الذي يرفع الطلب على أصول الملاذات الآمنة مثل الذهب”. وأضاف أن “التوترات التجارية المستمرة بين الصين والولايات المتحدة تعد عاملا إضافيا داعما للذهب”.
المخاطر الجيوسياسية والتجارية: وقود لارتفاع الذهب
تعد التوترات الجيوسياسية والتجارية محركات رئيسية لطلب الملاذ الآمن. ففي الصين، اتهمت بكين الولايات المتحدة بانتهاك الهدنة التجارية وتعهدت بـ”إجراءات صارمة” للرد، في حين اتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بانتهاك اتفاق على شحنات المعادن الحيوية. ومن المتوقع أن يتحدث وزير الخزانة سكوت بيسينت مع الرئيس الصيني شي جين بينغ قريبا لتسوية الخلاف حول المعادن الحيوية. هذه التوترات التجارية المستمرة بين أكبر اقتصادين في العالم تُبقي المستثمرين في حالة ترقب، مما يدفعهم نحو الذهب.
على الصعيد الجيوسياسي، يشهد الصراع الروسي الأوكراني تصعيدا. فقد كثفت أوكرانيا وروسيا هجماتهما قبل محادثات السلام الثانية في إسطنبول، بما في ذلك ضربة أوكرانية كبيرة وهجوم بطائرات مسيرة روسية ليلا. وقد أكدت تقارير أن الصين تتهم أمريكا بانتهاك الهدنة التجارية وتتعهد باتخاذ إجراءات صارمة، مما ينذر بتجدد التوتر. كما أشارت تقارير إلى هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية في العمق الروسي أسفر عن تدمير أكثر من 40 طائرة عسكرية روسية، مما يمثل تصعيدا نوعيا وخطيرا. هذه الأحداث تزيد من حالة عدم اليقين العالمية، مما يعزز جاذبية الذهب كملاذ آمن.
السياسة النقدية الأمريكية ومستقبل الذهب
يعد الذهب، الذي لا يدر عائداً، أداة استثمارية تفضلها الأسواق في بيئات أسعار الفائدة المنخفضة. في الولايات المتحدة، من المقرر أن يتحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول في وقت لاحق اليوم، بينما يترقب المستثمرون أيضا خطابات من مسؤولين آخرين في الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع للحصول على إشارات حول آفاق السياسة النقدية.
ورغم أن الاحتياطي الفيدرالي قد صرح بأنه لا يزال منفتحا على خفض الفائدة في عام 2025، وأن سوق العمل القوي والتقدم في السيطرة على التضخم يمنحان المزيد من الوقت لمتابعة التطورات، إلا أن هناك تضاربا في توقعات السوق بشأن أسعار الفائدة. أي تلميح إلى بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول أو أن وتيرة الخفض ستكون أبطأ، يمكن أن يضغط على أسعار الذهب، حيث تزيد الاستثمارات التي تدر عائداً جاذبيتها في مثل هذه الظروف. ومع ذلك، فإن المخاطر الكلية والتضخمية الناجمة عن التعريفات الجمركية يمكن أن تدعم الذهب.
أداء المعادن الثمينة الأخرى
لم يكن الذهب وحده الذي شهد تحركات. فقد ارتفع سعر الفضة الفورية بنسبة 1.3% ليصل إلى 33.42 دولار للأونصة. بينما تراجع البلاتين بنسبة 0.4% إلى 1051.95 دولار، وارتفع البلاديوم بنسبة 0.1% إلى 972.25 دولار. هذه التحركات المختلطة في سوق المعادن الثمينة تعكس التغيرات في المشهد الاقتصادي والجيوسياسي.
ختاما عادت أسعار الذهب للارتفاع بشكل ملحوظ مدفوعة بطلب الملاذ الآمن، مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتفاقم الصراع الروسي الأوكراني. في حين أن ضعف الدولار يدعم جاذبية الذهب، فإن التوقعات بشأن السياسة النقدية الأمريكية والبيانات الاقتصادية القادمة ستظل عوامل حاسمة في تحديد مساره. على المستثمرين الأفراد والقراء العاديين البقاء على اطلاع دائم بهذه التطورات المعقدة، حيث أن الذهب يظل مؤشراً حساساً للمخاطر العالمية الكبرى.
اقرأ أيضا…