أسعار الذهب تنتعش مع تراجع الدولار وتخفيض تصنيف أمريكا الائتماني

شهدت أسعار الذهب ارتفاعا ملحوظا خلال تداولات يوم الاثنين، مستفيدة من تضافر عدة عوامل عززت من جاذبيته كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين. ويأتي هذا الانتعاش في أعقاب أسبوع صعب للمعدن الأصفر، حيث سجل أسوأ أداء له منذ نوفمبر الماضي. وكان تراجع الدولار الأمريكي، وتجدد المخاوف بشأن التوترات التجارية العالمية بعد تصريحات لوزير الخزانة الأمريكي، بالإضافة إلى خفض وكالة موديز للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة، من أبرز العوامل التي دعمت صعود أسعار الذهب.
ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.8% ليصل إلى 3,228.47 دولار للأونصة. كما صعدت العقود الأمريكية الآجلة للذهب بنسبة 1.4% لتسجل 3,232.10 دولار للأونصة.
عوامل متعددة تدعم انتعاش أسعار الذهب يوم الاثنين
جاء ارتفاع أسعار الذهب يوم الاثنين مدفوعًا بمجموعة من التطورات الهامة:
- تراجع الدولار الأمريكي: انخفض مؤشر الدولار (DXY)، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من العملات الرئيسية، بنسبة 0.5% يوم الاثنين. هذا التراجع جعل الذهب المقوم بالدولار أرخص لحاملي العملات الأخرى، مما زاد من جاذبيته وساهم في ارتفاع الطلب عليه.
- تجدد مخاوف الحرب التجارية بفعل تصريحات وزير الخزانة الأمريكي: أكد وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، في مقابلات تلفزيونية يوم الأحد، أن الرئيس دونالد ترامب سيفرض التعريفات الجمركية بالمعدلات التي هدد بها الشهر الماضي على الشركاء التجاريين الذين لا يتفاوضون “بحسن نية” بشأن الصفقات التجارية. هذه التصريحات أعادت إشعال المخاوف بشأن استمرار الحروب التجارية التي يشنها الرئيس ترامب، والتي أدت إلى اضطراب شديد في تدفقات التجارة العالمية وأثارت تقلبات في الأسواق المالية. فالمستثمرون يواجهون ما وصفه بيسنت بـ “عدم اليقين الاستراتيجي” للرئيس الجمهوري في سعيه لإعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية لصالح الولايات المتحدة. هذا المناخ من عدم اليقين المتجدد دفع المستثمرين نحو الذهب كأصل آمن.
- تخفيض وكالة موديز للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة: في خطوة لافتة، قامت وكالة موديز يوم الجمعة الماضي بخفض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة بدرجة واحدة، لتصبح بذلك آخر وكالات التصنيف الكبرى التي تقدم على هذه الخطوة. وعزت الوكالة قرارها إلى المخاوف بشأن تزايد ديون البلاد. وعلق تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في “كيه سي إم تريد”، قائلاً: “إن تخفيض موديز للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة، ورد الفعل المقابل من السوق بالابتعاد عن المخاطرة، قد أعادا بعض الحيوية لسعر الذهب”. هذا التخفيض يزيد من جاذبية الذهب كمخزن للقيمة في ظل تزايد المخاوف بشأن السلامة المالية لأكبر اقتصاد في العالم.
الذهب يتعافى من أسوأ أداء له منذ نوفمبر الماضي
يأتي ارتفاع أسعار الذهب يوم الاثنين كنوع من التعافي بعد أسبوع صعب للغاية. فقد خسر المعدن الأصفر أكثر من 2% من قيمته يوم الجمعة الماضي، مسجلا أسوأ أداء أسبوعي له منذ نوفمبر من العام الماضي. وكان السبب الرئيسي وراء هذا التراجع هو زيادة شهية المخاطرة لدى المستثمرين في أعقاب الاتفاق التجاري المؤقت الذي تم التوصل إليه بين الولايات المتحدة والصين، والذي أدى إلى تهدئة التوترات التجارية بشكل مؤقت وقلل من الطلب على الذهب كملاذ آمن في تلك الفترة. ويبدو أن انتعاش يوم الاثنين يعكس عودة الحذر إلى الأسواق.
وكانت البيانات الاقتصادية الأمريكية الصادرة الأسبوع الماضي قد أظهرت صورة متباينة، حيث انخفضت أسعار المنتجين بشكل غير متوقع في أبريل، وتباطأ نمو مبيعات التجزئة، بينما ارتفعت أسعار المستهلكين بأقل من المتوقع. هذه البيانات قد تشير إلى تباطؤ محتمل في زخم الاقتصاد الأمريكي.
وفي هذا الصدد، أضاف تيم ووترر: “أعتقد أننا قد نشهد خفضا لأسعار الفائدة في يوليو أو سبتمبر، لكن مدى نجاح مفاوضات ترامب التجارية في الفترة الفاصلة قد يكون عاملا حاسما في تحديد الموعد التالي الذي سيقوم فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة”.
ويعتبر الذهب تقليديا أداة تحوط ضد حالات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، ويميل إلى الازدهار في بيئة أسعار فائدة منخفضة، حيث تقل تكلفة الفرصة البديلة لحيازته مقارنة بالأصول التي تدر عائدا. وبالتالي، فإن أي توقعات بتيسير السياسة النقدية من قبل الفيدرالي تعتبر داعمة لأسعار الذهب.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
لم يقتصر الارتفاع على الذهب وحده، بل شمل المعادن النفيسة الأخرى أيضًا يوم الاثنين، مما يشير إلى تحسن عام في معنويات المستثمرين تجاه هذه الفئة من الأصول:
- ارتفع سعر الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.6% ليصل إلى 32.46 دولار للأونصة.
- صعد سعر البلاتين بنسبة 0.6% مسجلاً 993.90 دولار للأونصة.
- اكتسب سعر البلاديوم 0.6% ليصل إلى 966.43 دولار للأونصة.
في النهاية استعادت أسعار الذهب بعضا من بريقها المفقود في بداية تداولات الأسبوع، مدفوعة بتراجع الدولار الأمريكي، وتجدد المخاوف بشأن السياسات التجارية الأمريكية، وزيادة جاذبيتها كملاذ آمن بعد تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. هذا الانتعاش يأتي كبارقة أمل للمعدن الأصفر بعد أسبوع سابق صعب.
ومع ذلك، فإن النظرة المستقبلية لأسعار الذهب ستظل مرهونة بشكل كبير بالتطورات الفعلية على جبهة التجارة العالمية، وخاصة مدى التزام الإدارة الأمريكية بالتهديدات التعريفية الجديدة. كما ستلعب بيانات التضخم والنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة دورًا حاسمًا في تشكيل توقعات سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما سيكون له الكلمة الفصل في تحديد الاتجاهات طويلة الأجل لأسعار الذهب. يظل المستثمرون في حالة ترقب، موازنين بين الرغبة في التحوط من المخاطر وتقييم الفرص في بيئة اقتصادية عالمية تزداد تعقيدا.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد