أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

تباطؤ مبيعات التجزئة يثير قلق الأسواق الأمريكية

في مؤشر جديد على حالة الحذر التي تسود سلوك المستهلكين، أظهرت بيانات مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة تباطؤًا ملحوظًا في شهر أبريل، حيث ارتفعت بالكاد. هذا النمو الهزيل أثار قلق الأسواق الأمريكية بشأن تراجع محتمل في الإنفاق الاستهلاكي، الذي يُعتبر المحرك الرئيسي للاقتصاد الأمريكي، خاصة في ظل المخاوف المستمرة بشأن ارتفاع الأسعار الناجم عن التعريفات الجمركية وتأثيرها على قرارات الشراء. وتأتي هذه البيانات في وقت حساس، حيث يترقب المستثمرون أي إشارات قد تؤثر على مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وتوقعات النمو الاقتصادي.

 تراجع إنفاق المستهلكين على السلع وتغير في الأولويات

كشفت بيانات وزارة التجارة الصادرة يوم الخميس أن قيمة المشتريات بالتجزئة، غير المعدلة لمراعاة التضخم، ارتفعت بنسبة طفيفة بلغت 0.1% فقط في أبريل، وذلك بعد تعديل مكاسب شهر مارس بالزيادة إلى 1.7%. وجاء هذا الرقم أقل من بعض التوقعات التي كانت تشير إلى نمو صفري، ولكنه يُظهر تباطؤًا كبيرًا مقارنة بالشهر السابق. وباستثناء مبيعات السيارات، ارتفعت المبيعات أيضًا بشكل طفيف بنسبة 0.1%، وهو ما جاء أقل من التقديرات البالغة 0.3%.

الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للأسواق الأمريكية هو أداء ما يُعرف بـ “مبيعات المجموعة الضابطة”، وهي الفئة التي تدخل مباشرة في حسابات الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على السلع. فقد سجلت هذه الفئة انخفاضًا بنسبة 0.2% في أبريل، مقابل توقعات بارتفاع 0.3%، مما يمثل بداية ضعيفة للإنفاق على السلع في الربع الثاني من العام.

وأظهر التقرير انخفاضات في سبع فئات من أصل ثلاث عشرة فئة رئيسية، بما في ذلك تراجع الإنفاق على السيارات (بعد موجة شراء قوية في مارس)، والسلع الرياضية، والملابس (وهي سلع مستوردة إلى حد كبير)، وكذلك محطات الوقود (مما قد يعكس تراجع أسعار البنزين أو انخفاض الطلب). وتشير هذه الأرقام إلى أن المستهلكين ربما قاموا بتقديم مشترياتهم في وقت سابق تحسبًا لارتفاع الأسعار بسبب التعريفات، وأنهم الآن يعيدون تقييم إنفاقهم.

في المقابل، كان الإنفاق على المطاعم والحانات، وهي الفئة الوحيدة الممثلة لقطاع الخدمات في تقرير مبيعات التجزئة، قويًا للشهر الثاني على التوالي، مما قد يشير إلى تحول في أولويات الإنفاق من السلع إلى الخدمات، أو استمرار قوة بعض جوانب الإنفاق التجريبي.

تداعيات تباطؤ مبيعات التجزئة على توقعات النمو والأسواق الأمريكية

تلقي بيانات مبيعات التجزئة الضعيفة بظلال من الشك على قوة زخم النمو الاقتصادي في الربع الثاني. فعلى الرغم من أن نموذج “GDPNow” التابع لبنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا كان يشير قبل صدور هذه الأرقام إلى نمو متوقع بنسبة 2.3% للربع الثاني (مما يمثل انتعاشا ملحوظا من الانكماش الذي شهده الاقتصاد في بداية العام بسبب الارتفاع الهائل في الواردات قبل فرض التعريفات)، إلا أن هذه التوقعات ستتأثر حتمًا بالبيانات الجديدة وقد يتم تعديلها بالخفض.

إن تراجع ثقة المستهلك وتباطؤ إنفاقه يمثلان مصدر قلق كبير للأسواق الأمريكية، حيث يؤثر ذلك بشكل مباشر على إيرادات الشركات وأرباحها، وبالتالي على تقييمات الأسهم. وقد بدأت هذه المخاوف تظهر بالفعل في تصريحات بعض الرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات:

  • وول مارت: على الرغم من تحقيقها مبيعات فصلية قوية، صرحت الشركة بأن التعريفات الجمركية والاضطرابات الاقتصادية المتزايدة تعني أنها تتوقع البدء في رفع بعض الأسعار هذا الشهر، مؤكدة أن “انعدام الوضوح في بيئة التشغيل الديناميكية الحالية يجعل التنبؤ على المدى القريب للغاية أمرا صعبا للغاية”.
  • إنرجايزر القابضة (مارك لافين، الرئيس التنفيذي): أشار إلى أن “ضعف ثقة المستهلك واستمرار التضخم عبر المتاجر قد يضغطان على أحجام المبيعات على المدى القصير… وعندما نجمع كل هذا – التعريفات، ثقة المستهلك، والطلب الكلي – فقد قمنا بتخفيض توقعاتنا للفترة المتبقية من العام”.
  • نو سكين إنتربرايزس (رايان نابييرسكي، الرئيس التنفيذي): تحدث عن “ضغوط الاقتصاد الكلي حيث يظل المستهلكون حذرين في سلوكياتهم الشرائية لمنتجات التجميل والعافية المتميزة وسط عدم اليقين بشأن التأثير المحتمل للتعريفات على التضخم وتراجع معنويات المستهلكين في جميع أنحاء العالم”.
  • تكساس رودهاوس (جيرالد مورجان، الرئيس التنفيذي): قدم رؤية أكثر تفاؤلاً نسبيًا من قطاع الخدمات، قائلاً: “لا تزال هناك مخاوف. لدينا جميعًا أسئلة حول بعض الأشياء التي تحدث. لكنني أعتقد بشكل عام أن مطاعمنا مكتظة بالناس”.

هذه التعليقات المتنوعة تعكس حالة الحذر والترقب التي تسود قطاع الأعمال، والتي ستراقبها الأسواق الأمريكية عن كثب.

هدوء مؤقت للتضخم أم ضغوط مؤجلة بانتظار تأثير التعريفات الكامل

تأتي بيانات مبيعات التجزئة الضعيفة في وقت أظهرت فيه مؤشرات التضخم الأخرى هدوءًا نسبيًا. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر أبريل بأقل من المتوقع للشهر الثالث على التوالي، مما يشير إلى أن الشركات لم تقم حتى الآن بتمرير تكلفة التعريفات الجمركية المرتفعة بالكامل إلى المستهلكين. كما أن انخفاض أسعار بعض الخدمات مثل تذاكر الطيران والفنادق أشار أيضًا إلى تراجع في الإنفاق التقديري.

وفي تطور لافت، أظهرت بيانات منفصلة صدرت يوم الخميس أن أسعار المنتجين (PPI) انخفضت بشكل غير متوقع في أبريل بأكبر وتيرة لها منذ خمس سنوات، وهو ما يعكس إلى حد كبير تراجعًا في هوامش ربح الشركات، مما يوحي بأن الشركات تمتص جزءًا من الضربة الناجمة عن ارتفاع التعريفات بدلاً من تمريرها فورًا.

هذه الديناميكية تمثل مفارقة للأسواق الأمريكية: فمن ناحية، يوفر تباطؤ التضخم ارتياحا قصير المدى ويقلل من الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاتباع سياسة نقدية متشددة. ومن ناحية أخرى، يثير تراجع هوامش أرباح الشركات بسبب امتصاص تكاليف التعريفات قلقًا بشأن ربحيتها المستقبلية، كما أن هناك إجماعًا بين المحللين على أن التأثير الكامل للتعريفات على أسعار المستهلك لم يظهر بعد ومن المرجح أن يتجلى في الأشهر المقبلة مع نفاد المخزونات القديمة.

التعريفات الجمركية والهدنة التجارية تأثير مستمر ومتناقض 

على الرغم من أن الاتفاق المؤقت الذي تم التوصل إليه في وقت سابق من هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة والصين لتهدئة الحرب التجارية قد خفف بعض المخاوف الفورية وأدى إلى ارتفاعات في الأسواق الأمريكية، إلا أن حالة عدم اليقين لا تزال قائمة. فقد حذر الرئيس ترامب من أن تلك التعريفات قد ترتفع مرة أخرى، ويرى المتنبئون أن الرسوم المفروضة، حتى بعد التخفيضات المؤقتة، ستظل تساهم في زيادة التضخم وتضعف النمو الاقتصادي. هذا الوضع يبقي الأسواق الأمريكية في حالة ترقب، حيث تزن بين التفاؤل قصير المدى الناجم عن الهدنة والمخاوف طويلة الأجل بشأن استدامة أي اتفاق وتأثير التعريفات القائمة.

ولا يزال مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي غير متأكدين من الكيفية التي ستؤثر بها التعريفات الجمركية في نهاية المطاف على الاقتصاد، وبالتالي فإنهم يبقون أسعار الفائدة معلقة في المستقبل المنظور. وقد أشار صناع السياسة إلى أنهم يميلون أكثر إلى إبقاء التضخم تحت السيطرة بدلاً من خفض أسعار الفائدة بشكل استباقي لمواجهة تباطؤ محتمل في النمو.

ومع ذلك، فإن بيانات مبيعات التجزئة الضعيفة، إلى جانب بيانات التضخم المعتدلة، قد تزيد من الضغط على الفيدرالي للنظر في تخفيضات أسعار الفائدة في وقت لاحق من العام إذا استمرت مؤشرات الضعف الاقتصادي. إن قرارات الفيدرالي وتصريحات مسؤوليه تُعتبر من أهم العوامل التي تحرك الأسواق الأمريكية، وأي تغيير في لهجتهم سيكون له تداعيات كبيرة.

حدود بيانات مبيعات التجزئة وأهمية البيانات الشاملة المرتقبة

من المهم الإشارة إلى أن أرقام مبيعات التجزئة ليست معدلة لمراعاة التضخم، وتعكس إلى حد كبير المشتريات من السلع، والتي تشكل حصة ضيقة نسبيًا من إجمالي إنفاق المستهلكين. ومن المقرر صدور بيانات الإنفاق المعدلة حسب التضخم على السلع والخدمات لشهر أبريل (مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي – PCE)، وهو المقياس المفضل للتضخم لدى الفيدرالي، في وقت لاحق من هذا الشهر. هذه البيانات الشاملة ستقدم صورة أوضح عن قوة إنفاق المستهلكين والضغوط التضخمية الفعلية، وسيكون لها وزن كبير في تقييم الأسواق الأمريكية للوضع الاقتصادي وتوقعات سياسة الفيدرالي.

في النهاية أضافت بيانات مبيعات التجزئة الضعيفة لشهر أبريل طبقة جديدة من القلق للأسواق الأمريكية، مما يشير إلى أن المستهلك الأمريكي قد بدأ يشعر بوطأة حالة عدم اليقين التجاري والمخاوف من ارتفاع الأسعار. وبينما قدمت بيانات التضخم الأخيرة بعض الارتياح المؤقت، فإن الصورة الكاملة لتأثير التعريفات الجمركية لم تتضح بعد، وقد تكون الشركات بصدد تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين في الأشهر المقبلة.

في ظل هذه الأجواء، ستظل الأسواق الأمريكية حساسة للغاية للبيانات الاقتصادية القادمة، وخاصة تلك المتعلقة بالإنفاق الاستهلاكي والتضخم وسوق العمل، بالإضافة إلى أي تطورات جديدة على جبهة التجارة العالمية. وستكون هذه العوامل مجتمعة هي التي ستشكل قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي تحدد المسار المستقبلي للأسواق الأمريكية في ظل بيئة اقتصادية عالمية لا تزال مليئة بالتحديات والضبابية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى