النفط يرتفع بنحو 3% مع إغراء انخفاض الأسعار للمشترين؛ مخاوف الفائض تلقي بظلالها

شهدت أسعار النفط ارتفاعا ملحوظا بأكثر من 1.50 دولار للبرميل خلال تداولات يوم الثلاثاء، لتعوض بذلك جزءا من خسائرها الفادحة التي تكبدتها في الجلسة السابقة.
جاء هذا الانتعاش مدعومًا بمجموعة من العوامل الفنية، بما في ذلك الارتداد من مستويات دعم رئيسية، بالإضافة إلى عمليات شراء نشطة بهدف اقتناص ما يعتبره بعض المتداولين صفقات رابحة عند هذه المستويات المنخفضة.
يأتي هذا الارتداد بعد أن أدى قرار تحالف أوبك+ الأخير بزيادة الإنتاج إلى هبوط حاد في الأسعار يوم الاثنين. وعلى الرغم من هذا الارتفاع اليومي، استمرت المخاوف الأساسية بشأن احتمال حدوث فائض كبير في المعروض النفطي في السوق تلقي بظلالها على التوقعات المستقبلية.
ارتداد برنت وغرب تكساس بعد ستة أيام من الهبوط
في تفاصيل حركة الأسعار، وبحلول الساعة 10:31 بتوقيت جرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت القياسي العالمي بمقدار 1.57 دولار، أو ما يعادل نسبة 2.6%، لتصل إلى مستوى 61.80 دولار للبرميل. يمثل هذا الارتفاع أول مكسب يومي للخام بعد ست جلسات متتالية من الانخفاضات الحادة، مما يشير إلى توقف مؤقت على الأقل لموجة البيع المكثفة. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي (WTI) بمقدار 1.53 دولار، أو بنسبة 2.7%، لتصل إلى 58.66 دولار للبرميل، مستعيدة بعضًا من خسائرها الكبيرة.
وكان كلا الخامين القياسيين قد أغلقا يوم الاثنين عند أدنى مستوى لهما منذ شهر فبراير من عام 2021، وهو مستوى منخفض لم تشهده السوق منذ أكثر من أربع سنوات. جاء هذا الهبوط الحاد مدفوعًا بشكل مباشر بقرار تحالف أوبك+ خلال عطلة نهاية الأسبوع بتسريع وتيرة زيادة إنتاج النفط للشهر الثاني على التوالي، مما أثار قلقًا بالغًا بشأن توازن العرض والطلب.
عوامل فنية ومستوى 60 دولارًا النفسي
يرى بعض المحللين أن الارتداد الصباحي كان مفاجئًا إلى حد ما ولكنه مدعوم بعوامل فنية. فقد علق بيارن شيلدروب، كبير محللي السلع في بنك SEB، قائلاً: “من المفاجئ نوعًا ما أننا حصلنا على هذا الانتعاش القوي هذا الصباح بعد الانخفاضات الكبيرة الأخيرة”. وأضاف موضحًا أهمية المستوى السعري: “لكن مستوى 60 دولارًا للبرميل يمثل خطًا نفسيًا هامًا للغاية في السوق. فعندما ينخفض سعر النفط إلى ما دون هذا الحاجز، تجد العديد من المشاركين في السوق، وخاصة أولئك الذين لديهم نظرة طويلة الأجل، يقولون لأنفسهم: حسنًا، هذا سعر رائع ومغرٍ للشراء”. هذا المستوى غالبًا ما يحفز عمليات الشراء بهدف “صيد الصفقات” (Bargain Hunting).
تلقت الأسعار دعمًا إضافيًا وملموسًا يوم الثلاثاء مع عودة المشاركين في السوق الصينية إلى النشاط بعد انتهاء عطلة عيد العمال التي استمرت لخمسة أيام منذ الأول من مايو. وقالت بريانكا ساشديفا، كبيرة محللي السوق في Phillip Nova، موضحة أهمية هذا العامل: “الصين استأنفت نشاطها التجاري اليوم، وباعتبارها أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، فمن المرجح جدًا أن يكون المشترون الصينيون قد قفزوا لاغتنام الفرصة وتأمين احتياجاتهم من النفط عند المستويات السعرية المنخفضة الحالية، مما ساهم في زيادة الطلب الفوري”.
أسعار البيع السعودية وبيانات أمريكية إيجابية كعوامل مساعدة
قدمت أحدث أسعار البيع الرسمية (OSPs) التي حددتها المملكة العربية السعودية لنفطها الخام لشهر يونيو بعض الدعم غير المباشر للسوق أيضًا. فقد ذكرت وكالة رويترز يوم الاثنين أن السعودية خفضت أسعار بيعها الرسمية بشكل طفيف لمعظم المناطق، وهو ما فسره بعض المحللين على أنه إشارة أقل عدوانية مما كان متوقعًا. وقال جيوفاني ستاونوفو، محلل السلع في بنك UBS: “إن هذه الأسعار لا تظهر مؤشرات على قتال شرس على حصة السوق من قبل السعودية في الوقت الحالي. لا يزال الأمر يبدو وكأنه مجرد تراجع متواضع ومدروس عن تخفيضات الإنتاج السابقة لتحالف أوبك+”. وأضاف: “هذه الخطوة السعودية ستكون قد ساهمت في إعادة تعديل بعض التوقعات المفرطة في التشاؤم بشأن احتمالية إغراق السوق بالنفط”.
كما ساهمت البيانات الاقتصادية الصادرة يوم الاثنين من الولايات المتحدة في تحسين المعنويات بشكل طفيف، حيث أظهرت انتعاشًا غير متوقع في نمو قطاع الخدمات، الذي يمثل جزءًا كبيرًا من اقتصاد أكبر مستهلك للنفط في العالم، مع زيادة ملحوظة في الطلبات الجديدة. فقد أعلن معهد إدارة التوريد (ISM) أن مؤشر مديري المشتريات غير التصنيعي (الخدمي) ارتفع إلى 51.6 الشهر الماضي من 50.8 في مارس، متجاوزًا بذلك توقعات الاقتصاديين التي كانت تشير إلى انخفاض طفيف إلى 50.2. هذه البيانات الإيجابية تخفف جزئيًا من المخاوف بشأن حدوث تباطؤ حاد في الاقتصاد الأمريكي.
المخاوف المستمرة وتوقعات السوق الحذرة
على الرغم من هذا الانتعاش اليومي، لا تزال المخاوف الأساسية تلقي بظلالها على توقعات السوق على المدى المتوسط. فالسوق لا تزال تحت ضغط التوقعات بأن الإنتاج العالمي سيتجاوز حجم الاستهلاك خلال الفترة المقبلة، مما يؤدي إلى تراكم المخزونات. وقد فقد النفط أكثر من 10% من قيمته خلال ست جلسات متتالية من الانخفاض قبل انتعاش اليوم، وانخفض بأكثر من 20% منذ ذروته في أبريل، وهو الشهر الذي شهد صدمة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعريفات جمركية واسعة النطاق، مما أدى إلى زيادة الرهانات على حدوث تباطؤ حاد في وتيرة النمو الاقتصادي العالمي وبالتالي تراجع الطلب على الطاقة.
تتجه أنظار السوق أيضًا نحو اجتماع السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المقرر اختتامه يوم الأربعاء. ومن المرجح بشكل كبير أن يبقي البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير في هذا الاجتماع، خاصة وأن حالة عدم اليقين الناجمة عن التعريفات التجارية تلقي بظلالها على التوقعات الاقتصادية وتجعل الفيدرالي يفضل التريث. أي إشارة من الفيدرالي نحو تشدد أكبر في السياسة النقدية قد تزيد الضغوط على أسعار النفط، بينما أي تلميح نحو تيسير مستقبلي قد يقدم بعض الدعم.
رؤية تحليلية حذرة: انتعاش فني أم تغيير أساسي؟
يرى العديد من المحللين أن الارتفاع الذي شهده يوم الثلاثاء قد يكون مجرد انتعاش فني قصير الأجل وليس تغييرًا جوهريًا في الاتجاه العام للسوق. فقد قال يب جون رونغ، استراتيجي السوق في IG: “يبدو أن الانتعاش الطفيف الذي نشهده في أسعار النفط اليوم هو ذو طبيعة فنية أكثر منه مدفوعًا بعوامل أساسية قوية”. وأضاف موضحًا وجهة نظره: “فالرياح المعاكسة المستمرة، والتي تشمل التحول المحوري في استراتيجية إنتاج تحالف أوبك+ نحو زيادة المعروض، والطلب غير المؤكد والمحفوف بالمخاطر وسط استمرار مخاطر التعريفات الأمريكية، بالإضافة إلى تخفيضات توقعات الأسعار من قبل البنوك الكبرى، كلها عوامل تستمر في التأثير سلبًا على حركة الأسعار الأوسع نطاقًا وتحد من أي ارتفاع مستدام”.
وقد قام بنك باركليز بالفعل بخفض توقعاته لمتوسط سعر خام برنت يوم الاثنين بمقدار 4 دولارات ليصل إلى 70 دولارًا للبرميل لعام 2025، كما حدد تقديره لعام 2026 عند 62 دولارًا للبرميل، مشيرًا في تقريره إلى “طريق وعر ينتظر العوامل الأساسية للسوق” وسط تصاعد التوترات التجارية والتحول الواضح في استراتيجية إنتاج أوبك+. كما قام بنك جولدمان ساكس أيضًا بخفض توقعاته لأسعار النفط يوم الاثنين بمقدار 2-3 دولارات للبرميل، معللاً ذلك بأنه يتوقع الآن زيادة أخرى في الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا من قبل أوبك+ في شهر يوليو المقبل، مما سيزيد من الضغوط على جانب العرض.
اقرأ أيضا…