تراجع الدولار أمام العملات الآمنة وسط تقلبات النزاع التجاري

تشهد الأسواق المالية العالمية حالة من التقلب الشديد، حيث بدأ الدولار الأمريكي يفقد جزءا من قيمته مقارنة ببعض العملات التي تُعتبر ملاذات آمنة، مثل الين الياباني والفرنك السويسري واليورو.
وجاء ذلك في خضم تذبذبات كبيرة نتجت عن قرار الرئيس دونالد ترامب بالتراجع عن فرض رسوم جمركية حادة على شركاء التجارة، فيما تم تضخيم موقفه ضد الصين برفع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات منها إلى 125% بعد أن اتخذت بكين إجراء انتقاميا برفع رسومها الجمركية إلى 84%.
في هذا المقال، نستعرض أبرز العوامل التي أدت إلى تراجع الدولار، وكيف تتفاعل الأسواق مع النزاعات التجارية وتأثيرها على العملات والسلع والأصول الآمنة.
تأثير إعلان ترامب على سياسات الرسوم الجمركية
أثار قرار ترامب المفاجئ بتعليق رسوم جمركية شاملة لمدة 90 يوما على معظم الدول انتعاشا مؤقتا في الأسواق، مما دفع المستثمرين للشعور بالارتياح على المدى القصير، ودعم مؤشرات الأسهم الأمريكية مثل S&P 500 وداو جونز والنقاط المرتفعة على بورصة التكنولوجيا.
ومع ذلك، لم يشمل هذا التعليق الصين، إذ صرّح ترامب برفع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية إلى 125% مقارنة بنسبة 104% السابقة.
هذا التباين في السياسة التجارية أدى إلى إعادة ترتيب مراكز المستثمرين، إذ يتطلع البعض إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأمد بينما لا تزال المخاوف تلوح في الأفق بشأن استمرار النزاعات.
وفي أعقاب القرار، شهدت الأسواق حركة تصحيحية قوية في الدولار، إذ بدأ المستثمرون بإعادة تقييم مراكزهم بناء على الوضع الجديد.
فقد تراجع الدولار أمام العملات الآمنة مثل الين والفرنك، كما أنه انخفض مقابل العملات ذات الحساسية العالية للمخاطر مثل الدولار الأسترالي، وتظهر هذه التحركات أن المستثمرين يميلون إلى التحوط والبحث عن الملاذات في ظل حالة عدم اليقين المتصاعدة بسبب النزاعات التجارية.
تراجع الدولار مقابل العملات الآمنة
يعد الين الياباني والفرنك السويسري من أكثر العملات التي يلجأ إليها المستثمرون كملاذ آمن في أوقات الاضطراب الاقتصادي والسياسي.
فقد تراجع الدولار بنسبة 0.51% مقابل الين الياباني، حيث وصل إلى مستوى 144.24 ين، بينما انخفض بنسبة 3.57% مقابل الفرنك السويسري ليصل إلى 0.83710.
وتشير هذه الأرقام إلى أن المستثمرين يفضلون الأصول الآمنة التي تحافظ على قيمتها في ظل الاضطرابات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، ما يضع ضغطا إضافيا على الدولار.
اليورو والجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي
أما بالنسبة لليورو، فقد شهد ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.3%، حيث وصل إلى 1.12125 دولار، مما يعد انتعاشا بعد أيام من التراجع.
كما ارتفعت قيمة الجنيه الإسترليني بنسبة 1.1% لتتداول عند 1.29760 دولار، فيما سجل الدولار الأسترالي ارتفاعا بنسبة 0.98% ليتداول عند 0.6211 دولار.
ويشير هذا إلى أن عملات تلك الاقتصادات تبدو أكثر جاذبية في ظل توقعات تحسن الأداء الاقتصادي أو تراجع المخاطر في الأسواق العالمية.
ويرجع جزء كبير من تراجع الدولار إلى انخفاض قيمته بالنسبة للمستثمرين الدوليين، الأمر الذي يجعل السلع المسعرة بالدولار أكثر تنافسية ويدفع الطلب عليها.
وإن انخفاض قيمة الدولار يجعل الذهب، على سبيل المثال، أكثر جذباً للمشترين الأجانب، مما يساهم في دعم أسعار المعدن الثمين وتأكيد مكانته كأصل آمن في أوقات الاضطراب.
تأثير النزاعات التجارية على سوق العملات والأصول الآمنة
تعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أحد أبرز العوامل التي أثرت سلبًا على قيمة الدولار. فبينما قامت إدارة ترامب بتعليق بعض الرسوم الجمركية لمنح فرصة للمفاوضات مع الدول الأخرى، واستمرت الصين في تطبيق إجراءات صارمة برفع الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية إلى 84%.
كما أعلن ترامب عن زيادة الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية إلى 125%. إن هذا التصعيد التجاري يزيد من حالة عدم اليقين ويحث المستثمرين على اللجوء إلى الأصول الآمنة كوسيلة لحماية رأس المال.
وتتسببت النزاعات التجارية في اضطرابات واسعة النطاق على مستوى الاقتصاد العالمي، حيث تؤثر على سلاسل الإمداد والتوريد وقد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي في العديد من الدول.
ويتأثر الدولار بشكل مباشر بهذه التوترات، إذ تضعف توقعات النمو وتزداد المخاوف بشأن الركود الاقتصادي، مما يدفع المستثمرين إلى بيع الدولار والانتقال إلى العملات التي تعد ملاذا آمنا.
التداعيات الفنية والاقتصادية لتراجع الدولار
يظهر التحليل الفني أن الدولار الأمريكي مر بمرحلة تراجع نشطة منذ بداية فترة النزاع التجاري الجديدة. فقد أدت التحركات العنيفة في الرسوم الجمركية إلى اضطرابات شديدة في الأسواق، بحيث قام المستثمرون بإعادة ترتيب مراكزهم وفقا للوضع الجديد.
ففي بداية الإعلان، ارتفع الدولار أمام الفرنك والين، لكن مع توازن مراكز البيع والشراء، بدأ الدولار يتراجع تدريجيا، ما يشير إلى إمكانية هبوطه إلى مستويات أدنى من 103، وربما نحو 99، مع استمرار ظهور بيانات اقتصادية سلبية وتفاقم المخاوف التجارية.
وعلى الرغم من أن انخفاض قيمة الدولار غالباً ما يدعم الأصول الآمنة مثل الذهب، إلا أن الآثار على سوق السندات والأسواق المالية ليست بسيطة.
فقد شهدت عوائد سندات الخزانة الأمريكية ارتفاعا مؤخرا نتيجة البيع الكبير الذي ضرب السوق، مما يزيد من تكلفة الاقتراض ويؤثر على قرار المستثمرين فيما يتعلق بتوزيع أموالهم.
وتعد بيانات الأسعار المستهلكة ومؤشرات التضخم عوامل حاسمة ستحدد مدى قدرة الدولار على استعادة قوته أو استمرار تراجعه.
آفاق مستقبلية وتوقعات المستثمرين
تشير توقعات السوق إلى احتمال تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في الفترة المقبلة، وذلك في ظل التراجع الاقتصادي والضغوط التجارية المتصاعدة.
وقد يكون هذا الخفض في أسعار الفائدة دافعا إيجابيا لبعض الأصول الآمنة، لكنه في نفس الوقت قد يؤثر سلبا على قيمة الدولار، إذ أن انخفاض الفائدة يقلل من جاذبية الاحتفاظ بالدولار للمستثمرين الدوليين.
بينما قد يستمر الدولار في التراجع أمام العملات الآمنة، يظل الوضع الاقتصادي على رأس أولويات المستثمرين. فعلى سبيل المثال، من المتوقع أن تساعد البيانات الاقتصادية القادمة، مثل تقارير التضخم ومؤشرات النشاط الاقتصادي، في تحديد المسار المستقبلي للاقتصاد الأمريكي والدولار.
وإن استمرار النزاعات التجارية وتفاقم المخاطر الاقتصادية قد يؤدي إلى استمرار حالة عدم اليقين، مما يجعل الأسواق العالمية في حالة ترقب دائم.
وفي ظل هذه البيئة، يظهر أن السياسات التجارية التي يتخذها الرئيس ترامب، خاصةً تعديل الرسوم الجمركية وتعليق بعض الرسوم لفترة مؤقتة، كانت لها تأثيرات متباينة على الأسواق.
ففي حين أن بعض الإجراءات أدت إلى انتعاش مؤقت في أسواق الأسهم وتحسن معنويات المستثمرين، فإن النزاع التجاري المستمر وخاصة مع الصين سيظل يشكل عامل ضغط كبير على الاقتصاد والدولار.
وفي هذا السياق، يبقى من المهم مراقبة التطورات في مفاوضات التجارة الدولية، ومستوى التصعيد التجاري الذي قد ينعكس مباشرة على حركة الدولار والقيمة السوقية للأصول.
اقرأ أيضا…