أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

ارتفاع الذهب وسط توترات التجارة العالمية وضعف الدولار

ارتفعت أسعار الذهب يوم الثلاثاء مدفوعة بتوترات التجارة العالمية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين، بالإضافة إلى انخفاض قيمة الدولار الأمريكي.

وسجل الذهب الفوري ارتفاعا بنسبة 0.8% ليصل إلى 3,005.21 دولار للأوقية وقت نشر هذا المقال، بعد أن سجل أدنى مستوى له منذ 13 مارس خلال جلسة يوم الإثنين، وفي الوقت نفسه، ارتفعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة بنسبة 1.6% لتصل إلى 3,020.70 دولار للأوقية.

ويعزو المحللون ارتفاع الذهب إلى عدة عوامل متداخلة؛ فمن جهة، تزايد حدة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الكبرى مثل الصين والاتحاد الأوروبي، مما خلق بيئة من عدم اليقين الاقتصادي والسياسي.

ومن جهة أخرى، ساهم ضعف الدولار في جعل الذهب أكثر جذبا للمستثمرين العالميين، حيث أصبح الذهب يباع بأسعار أقل بالنسبة للمشترين الأجانب.

تأثير الرسوم الجمركية وتوترات التجارة على الأسواق

في ظل استمرار فرض الرسوم الجمركية التي أطلقتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، ازدادت المخاوف بشأن تأثير هذه السياسات على النمو الاقتصادي العالمي.

ورفضت الصين التراجع عن موقفها، وواصلت فرض رسوم إضافية على السلع الأمريكية، بينما أعلنت المفوضية الأوروبية عن عرض صفقة جمركية “صفر مقابل صفر” كجزء من محاولاتها للتصدي للتوترات التجارية.

وأضافت عدة دول أخرى إجراءات مماثلة، مما أسهم في استمرار حالة عدم اليقين التي أثرت على الأسواق المالية وأسعار الذهب.

وقال المحلل زين فاويدا من MarketPulse بواسطة OANDA: “يعزز ضعف الدولار والضبابية المحيطة بتطورات حرب التجارة الطلب على الذهب كملاذ آمن”، ويرى فاويدا أن استمرار هذه الظروف بالتزامن مع توقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي سيدعم توجهات المستثمرين نحو الذهب.

دعم الطلب من البنوك المركزية وصناديق الاستثمار

يستمر الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية وصناديق الاستثمار في الارتفاع، مما يساهم في دعم أسعار الذهب على المدى المتوسط. فقد ظل سعر الذهب مرتفعا بنسبة تقارب 15% خلال هذا العام، مدفوعا بعدة عوامل منها عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، وزيادة تدفقات الاستثمار في صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب.

وأكد محلل من بنك دويتشه بنك على أن تقلبات أسعار الذهب الحالية قد تكون مؤقتة، مؤكدا توقعاته بارتفاع أسعار الذهب إلى حوالي 3,350 دولار للأوقية بحلول نهاية العام، في ظل استمرار المخاوف من الركود الاقتصادي وتوقعات بتخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.

توقعات بتخفيض أسعار الفائدة ومستقبل السياسة النقدية

من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من التخفيف في السياسة النقدية الأمريكية. يتطلع بعض المتداولين إلى تخفيض أسعار الفائدة بمقدار 97 نقطة أساس بحلول نهاية العام، مع توقع ظهور أولى التخفيضات في مايو.

وتعتبر أسعار الذهب، كسلعة ذات عائد صفري، من الموارد التي تستفيد من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، إذ تصبح هذه البيئة أكثر جدارة لجذب المستثمرين الذين يبحثون عن ملاذ آمن بعيدا عن تقلبات الأسواق المالية.

ويشار إلى أهمية مستوى 3,000 دولار للأوقية كدعم نفسي حاسم، مضيفًا أن اختراق مقاومة عند 3,050 دولار قد يدفع الأسعار نحو 3,100 دولار، وتواصل حركة الطلب على الذهب في ظل الإجراءات المالية الاحترازية التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على استقرار الأسعار.

تحركات المعادن الثمينة الأخرى

على صعيد المعادن الثمينة، شهدت أسعار الفضة ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.4% لتصل إلى 30.24 دولار للأوقية. كما زادت أسعار البلاتين بنسبة 1.1% لتصل إلى 923.10 دولار للأوقية، فيما ارتفعت أسعار البلاديوم بنسبة 0.1% لتتداول عند 919.78 دولار للأوقية. رغم أن البضائع مثل النحاس والنفط تشهد انخفاضاً، يحتفظ الذهب بمكانته كملاذ آمن وسط هذه الظروف المضطربة.

تأثير تراجع أسواق الأسهم على الطلب على الذهب

على الرغم من التقلبات الكبيرة التي شهدتها أسواق الأسهم، يعتبر الذهب خياراً استثماريا آمنا مقارنة بمخاطر بيع الأسهم، وفي ظل انخفاض أسعار الأسهم، يلجأ المستثمرون إلى بيع الذهب أحيانا لتحصيل السيولة اللازمة لتغطية احتياجاتهم المالية أو لتخفيف المخاطر.

وفي هذا السياق، أسهمت حالة “المخاطرة المنخفضة” (risk-off) في زيادة الطلب على الذهب، مما حافظ على دعمه رغم الضغوط البيعية التي قد تؤدي إلى تراجع بعض الفوائد قصيرة الأجل.

وأوضحت محللة المعادن الثمينة، سوكي كوبر من بنك Standard Chartered، في تقريرها الأخير أن التقلبات الحالية في أسعار الذهب تعكس التذبذب بين طلب الملاذ الآمن والحاجة إلى تغطية مستثمري الأسهم لخسائرهم، وهو ما يجعل سعر الذهب يبقى متذبذبا بين الدعم والمقاومة حتى في بيئة بيع الأسهم.

تداعيات السياسات التجارية على الاقتصاد العالمي

مع استمرار تطبيق الرسوم الجمركية وتعزيز التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها، يستمر القلق من دخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود. يشير بعض الاقتصاديين إلى أن مثل هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة معدلات التضخم بشكل غير متوقع، مما يخلق بيئة من “الركود التضخمي” أو الستاجفلاشن. وفي ظل هذه المخاوف، يعتبر الذهب ملاذاً آمناً للمستثمرين الذين يتوقعون تباطؤاً في النمو وزيادة في المخاطر الاقتصادية.

وأضافت كوبر أن السيناريو الاقتصادي الحالي يشكل بيئة إيجابية للذهب على المدى الطويل، إذ أشارت البيانات التاريخية إلى أن الذهب عادةً ما يحقق مكاسب على مدى فترات الركود. واستنادًا إلى البيانات، ارتفع الذهب بنسبة 15% سنويًا في سبع حالات ركود أمريكية سابقة، وهو مؤشر قوي على دوره كأداة حماية مالية.

توقعات مستقبلية للذهب ودور الاحتياطي الفيدرالي

مع اقتراب صدور دقائق اجتماع سياسة الاحتياطي الفيدرالي القادم، يظل المستثمرون يترقبون التصريحات التي قد تكشف عن خطط جديدة لتحفيز الاقتصاد، ويُتوقع أن يلجأ المسؤولون في البنك الاحتياطي إلى تخفيضات مدروسة في أسعار الفائدة، مما سيزيد من جاذبية الذهب كأصل استثماري آمن. ومع ذلك، يبقى هناك تأكيد من جانب بعض المسؤولين بأن البنك لن يغير من سياسته النقدية بشكل جذري حتى يتضح الوضع الاقتصادي تماما.

وأكد الرئيس التنفيذي لجهاز البحوث الاقتصادية إشارة إلى أن التحركات المستقبلية في أسعار الذهب ستعتمد بشكل كبير على نتائج بيانات التضخم والنمو الاقتصادي، فضلا عن ردود الفعل السوقية على التطورات التجارية الجارية بين الولايات المتحدة وشركائها.

الحالة العامة لأسواق المال والملاذات الآمنة

يتسبب التوتر التجاري وتراجع أسواق الأسهم في زيادة الطلب على الأصول الآمنة، لا سيما الذهب. وبينما لا تزال المخاوف من تباطؤ الاقتصاد مرتفعة، يقوم المستثمرون بتعديل مراكزهم في محاولات لتحويل الاستثمارات من الأصول ذات المخاطر العالية إلى الأصول التي تحقق حماية نسبية لرأس المال. وفي هذا السياق، يظل الذهب، الذي لم يعد مجرد سلعة استثمارية، خياراً مهماً للمتداولين والمؤسسات المالية على حد سواء.

كما أن التحركات الحالية في سوق العملات، والتي شهدت تراجع الدولار مقابل العديد من العملات الرئيسية، تعزز من جاذبية الذهب للمستثمرين الدوليين الذين يسعون لتنويع محافظهم بعيداً عن الفائدة السلبية للأصول ذات الفائدة الصفرية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى