استقرار أسعار النفط وسط انخفاض المخزونات وارتفاع الدولار الأمريكي

شهدت أسعار النفط استقرارا نسبيا يوم الأربعاء، رغم الضغوط الناتجة عن ارتفاع الدولار الأمريكي، وذلك بفضل انخفاض المخزونات الوقودية الأمريكية الذي خفف من حدة الانخفاضات التي شهدها السوق في الأيام السابقة.
وتأتي هذه التطورات في ظل توقعات بتقلبات قادمة بسبب عدم اليقين المحيط بالسياسات النقدية الأمريكية، والتوترات التجارية، فضلا عن بعض الأحداث الجيوسياسية التي تؤثر على الطلب العالمي على النفط.
تأثير انخفاض مخزونات الوقود على الأسعار
أظهرت بيانات الحكومة الأمريكية أن مخزونات المقطرات، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، انخفضت بمقدار 2.8 مليون برميل خلال الأسبوع الماضي، وهو انخفاض تجاوز التوقعات التي كانت تشير إلى انخفاض بمقدار 300,000 برميل فقط.
ويعتبر هذا الانخفاض دليلا على ضغوط العرض في الأسواق، حيث يتوقع أن يؤدي انخفاض المخزونات إلى رفع الطلب على النفط مع اقتراب موسم الربيع الذي يشهد عادة زيادة في استهلاك الوقود.
وفي هذا السياق، ساعد هذا التراجع في المخزونات على تثبيت الأسعار، إذ ارتفعت عقود خام برنت المستقبلية بمقدار 8 سنتات لتتداول عند 70.86 دولار للبرميل وقت نششر هذا التقرير، بينما سجلت عقود خام غرب تكساس (WTI) ارتفاعا بمقدار 4 سنتات لتصل إلى 67.20 دولار للبرميل، مع ارتفاع طفيف في العقد الأكثر تداولا لشهر مايو إلى 66.96 دولار.
تأثير ارتفاع الدولار على أسعار النفط
على الرغم من الدعم الناتج عن انخفاض المخزونات، كان ارتفاع الدولار الأمريكي عاملا معوقا لبعض المكاسب، إذ ارتفع مؤشر الدولار (DXY) بنسبة 0.52%، مما جعل النفط المسعر بالدولار أكثر تكلفة للمستثمرين الدوليين.
ووفقا للمحللين، فإن ارتفاع الدولار يعود جزئيا إلى توقعات بقاء الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي،
بالإضافة إلى تأثر السوق بقرارات ترامب الحمائية المتعلقة بالتعريفات الجمركية. إن استمرار هذا الوضع قد يحد من ارتفاع أسعار النفط، حيث يؤثر ارتفاع الدولار سلبا على القدرة الشرائية للمستثمرين في الأسواق الدولية.
توقعات وتحديات العرض والطلب العالمي
تواجه أسواق النفط تحديات من جانب زيادة المعروض العالمي في ظل خطط مجموعة أوبك+ لزيادة الإنتاج اعتبارا من أبريل، حيث تعتزم المجموعة إضافة 138,000 برميل يوميا إلى السوق.
ومن جهة أخرى، تعاني بعض الأسواق من ضغوط ناتجة عن السياسات التجارية التشددية التي تنتهجها الولايات المتحدة، ما يزيد من حالة عدم اليقين حول النمو الاقتصادي العالمي.
ويشير محلل من بنك UBS، جيوفاني ستاونوفو، إلى أن البيانات المتعلقة بمخزونات النفط تدل على أن السوق يعاني من حالة نقص معتدلة في أوائل عام 2025، مما يعزز من توقعات توازن العرض والطلب في المدى القريب، على الرغم من وجود توقعات بانخفاض الطلب بسبب حروب التجارة والتوترات السياسية.
التوترات الجيوسياسية وتأثيرها على السوق
تظل التوترات الجيوسياسية أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على أسعار النفط. ففي ظل استمرار الضغوط الناجمة عن السياسات الأمريكية، خصوصا تلك التي تفرض تعريفات جديدة على واردات السلع من كندا والمكسيك والصين، لا تزال المخاوف من تأثير تلك السياسات على النمو الاقتصادي تؤثر على توقعات الطلب العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، تواصل بعض الدول اتخاذ إجراءات انتقامية على شكل تعريفات إضافية، مما يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق المالية ويضع ضغطًا على أسعار النفط.
ويتطلع المستثمرون الآن إلى المزيد من البيانات الاقتصادية الرسمية التي من المتوقع صدورها في الأيام المقبلة، بما في ذلك تقارير المخزونات والبيانات الخاصة بالطلب العالمي على النفط.
كما ينتظر قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة في الاجتماعات المقبلة والذي سيحدد مدى تأثير السياسات النقدية على أسعار النفط.
ويعتقد بعض المحللين أن استمرار ارتفاع أسعار الفائدة سيضعف الطلب على النفط على المدى البعيد، بينما يمكن أن يدعم انخفاض الفائدة الطلب على الطاقة والنمو الاقتصادي.
وفي ظل هذه الظروف المتقلبة، يبقى السوق العالمي للنفط في حالة توازن حساس بين العوامل الداعمة مثل انخفاض المخزونات ومواصلة الإنتاج، والعوامل المثبطة مثل ارتفاع الدولار والسياسات الحمائية التي تخلق حالة من عدم اليقين.
وفي هذا السياق، يتوقع أن تظل الأسعار متذبذبة مع احتمال حدوث ارتفاعات أو انخفاضات مستقبلية بناءً على التطورات الاقتصادية والسياسية، مما يجعل من الضروري متابعة الأحداث عن كثب لتحديد مسار الأسعار في الأشهر القادمة.
توقعات نمو الطلب على النفط في الصين مقابل الواقع الفعلي
تواجه أسواق النفط الخام سؤالا جوهريا حول الأهمية النسبية لتوقعات نمو الطلب على النفط في الصين التي تقدمها وكالات رائدة مثل منظمة أوبك الدولية (OPEC) والوكالة الدولية للطاقة (IEA) مقابل الواقع الذي يظهر انخفاض واردات النفط.
ويعتبر هذا التباين مصدر قلق كبير للمستثمرين والمحللين، خاصة وأن الصين تلعب دورا محوريا في أسواق النفط العالمية، إذ تشكل حوالي ربع الواردات البحرية العالمية. ومع ذلك، يبدو أن هناك فجوة واضحة بين التوقعات التفاؤلية والنموذج الواقعي الذي تظهره بيانات الجمارك.
التباين بين التوقعات والواقع
تشير أحدث تقارير أوبك إلى أن الطلب على النفط في الصين قد وصل إلى 16.68 مليون برميل يوميا في عام 2024، بزيادة قدرها 320,000 برميل يوميا مقارنة بـ16.36 مليون برميل يوميا في عام 2023.
وتعكس هذه التوقعات تفاؤلا من ناحية النمو الاقتصادي ودعم الطلب المستقبلي، مما يعتبر مؤشرا إيجابيا للأسعار. ومع ذلك، تظهر البيانات الجمركية أن واردات النفط الخام من الخارج في الصين بلغت 11.04 مليون برميل يوميا في عام 2024، وهو انخفاض بنسبة 2.1% (210,000 برميل يوميا) عن عام 2023.
تشمل توقعات الطلب على النفط في الصين مكونات أخرى مثل الإنتاج المحلي وتغيرات المخزونات، إلا أن الفجوة بين الأرقام التفاؤلية والواردات الخام تبقى واسعة جدا.
فرغم أن الصين تنتج حوالي 4.24 مليون برميل يوميا، بزيادة طفيفة بنسبة 1.4% مقارنة بعام 2023، فإن انخفاض الواردات يشير إلى ضعف في الطلب الخارجي، وهو ما لا يمكن تعويضه من خلال الإنتاج المحلي أو المخزونات، إذ أضافت الصين حوالي 1.15 مليون برميل يوميا إلى مخزوناتها في عام 2024، مقارنة بـ760,000 برميل يوميا في العام السابق.
أسباب الفجوة بين التوقعات والواقع
هناك عدة عوامل تساهم في هذا التباين. أولا، تتأثر توقعات النمو في الطلب على النفط بتقديرات مبنية على عوامل اقتصادية شاملة تشمل الطلب على المنتجات النفطية، والمستوى العام للنمو الاقتصادي، ومستويات الاستثمار في القطاع النفطي. إلا أن الواردات تظهر فقط جانبا واحدا من هذه المعادلة، حيث أنها لا تشمل الإنتاج المحلي أو التغيرات في المخزونات.
ثانيا، قد يعزى هذا التباين إلى تحولات هيكلية في سوق النفط الصيني، ففي ظل ضغوط ارتفاع الأسعار وتباطؤ النمو الاقتصادي في الأسواق الغربية، يتجه بعض المستثمرين الصينيين إلى زيادة الاحتياطيات بدلًا من زيادة الاستيراد الفعلي. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون انخفاض الواردات مؤشرا على تغيير في سياسات التجارة الخارجية أو تحولات في تفضيلات السوق المحلية.
التوقعات المستقبلية وتداعياتها
على الرغم من التوقعات المتفائلة التي تصدرها وكالات مثل أوبك والوكالة الدولية للطاقة لنمو الطلب بمئات الآلاف من البراميل يوميا، إلا أن الواقع الحالي يشير إلى أن انخفاض الواردات قد يستمر على المدى القصير، مما قد يؤدي إلى ضغوط على أسعار النفط. فقد تم تسجيل انخفاض واردات النفط الخام في الصين خلال أول شهرين من عام 2025 إلى حوالي 10.42 مليون برميل يوميا، بانخفاض قدره 370,000 برميل يوميا (3.4%) مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
وقد يحدث انخفاض أسعار النفط في الصين تأثيرا سلبيا على الأسعار العالمية، خاصة وأن الصين تعد أحد أهم محركات الطلب في السوق العالمية. ومع ذلك، هناك احتمال بأن تشهد أسعار النفط تعافيا إذا ما تحسنت الظروف الاقتصادية وتراجعت المخاوف الناتجة عن سياسات التعريفات والقيود التجارية.
أهمية البيانات الاقتصادية لتقييم الصورة الكاملة
في نهاية المطاف، يعتمد تقييم مستقبل سوق النفط على النظر في كافة جوانب الطلب، وليس فقط توقعات الواردات. إذ يجب اعتبار الإنتاج المحلي وتغيرات المخزونات بالإضافة إلى الطلب على المنتجات النفطية المختلفة. على الرغم من أن التوقعات التفاؤلية لأوبك والوكالة الدولية للطاقة تعطي نظرة إيجابية على المدى الطويل، فإن الواقع الحالي للواردات يشير إلى ضعف الطلب الخارجي الذي قد يؤثر على الأسعار في المدى القصير.
بالتالي، يحتاج المستثمرون إلى متابعة التطورات الاقتصادية الدقيقة وتغيرات السياسات التجارية في الصين وعلى الصعيد العالمي لتقييم مدى تأثير هذه العوامل على أسعار النفط. وقد يكون من الضروري إعادة النظر في النماذج التقليدية لتوقع نمو الطلب على النفط في ظل تحولات هيكلية جديدة في الاقتصاد الصيني والعالمي.
اقرأ أيضا…