استقرار أسعار النفط وسط غموض مسار التفاوض بين روسيا وأوكرانيا

شهدت أسعار النفط تحولات ملحوظة في الفترة الأخيرة، حيث تعافت الأسعار بعد انخفاضات حادة، لكن الطريق لا يزال غامضًا أمام وقف إطلاق النار في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، تكشف تقارير جديدة عن استخدام روسيا للعملات الرقمية لتجاوز العقوبات الغربية في تجارة النفط مع الصين والهند. يجمع هذا المقال بين تحليل مفصل لعوامل دعم واستقرار أسعار النفط وبين استعراض للأساليب الجديدة التي يتبعها المنتج الروسي لتجاوز القيود التجارية.
تعافي أسعار النفط وسط عدم وضوح وقف إطلاق النار
ارتفاع الأسعار بعد انخفاضات قوية
شهدت أسعار النفط انتعاشا طفيفا يوم الجمعة بعد تسجيل خسائر تجاوزت 1% في الجلسة السابقة، وذلك بعد بيانات حكومية أمريكية أظهرت تراجعا كبيرا في مخزونات البنزين، مما رفع توقعات زيادة الطلب الموسمي مع اقتراب الربيع. فقد ارتفعت عقود خام برنت المستقبلية بمقدار 54 سنتًا (1%) لتتداول عند 70.42 دولار للبرميل وقت نشر هذا التقرير، بينما سجل خام غرب تكساس (WTI) ارتفاعا بمقدار 58 سنتا (0.87%) ليتداول عند 66.69 دولار للبرميل.
تأثير عدم وضوح وقف إطلاق النار في أوكرانيا
تأتي هذه التحركات في ظل تقلبات مستمرة في المشهد السياسي، إذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الخميس أن موسكو تدعم مبدأ وقف إطلاق النار المقترح من الولايات المتحدة، لكن طلب توضيحات وشروط إضافية جعلت احتمالية حدوث وقف سريع تبدو بعيدة.
وأوضح محلل السوق في IG، توني سيكامور، أن “الدعم المتردد لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوما يقلل من الثقة في إمكانية تحقيق وقف سريع للأعمال العدائية.” وتبقى هذه الحالة من عدم اليقين أحد أهم العوامل التي تؤثر على توقعات الأسعار، إذ يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في الإمدادات النفطية إذا ما تغيرت السياسات أو حدثت مفاجآت سياسية جديدة.
تأثير التعريفات والعقوبات على السوق
تأتي هذه التقلبات في ظل تزايد حدة السياسات التجارية؛ فقد فرض الرئيس دونالد ترامب تعريفات جديدة على واردات السلع من كندا والمكسيك، ما أثار ردود فعل انتقامية من تلك الدول.
كما تشير التقارير إلى أن إدارة ترامب تفكر في اتخاذ إجراءات إضافية ضد صادرات النفط الإيراني. تعد هذه السياسات جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل مشهد التجارة العالمية، لكنها تزيد من المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي مما يضغط على الأسعار.
كما أُعلنت الإدارة الأمريكية عن انتهاء رخصة تسمح بالمعاملات المالية مع المؤسسات الروسية، مما قد يؤدي إلى إعادة تدفق النفط الروسي إلى الأسواق الغربية إذا لم تتوصل الدول المعنية إلى اتفاق بشأن وقف الأعمال العدائية في أوكرانيا.
ديناميكيات العرض والطلب العالمية
زيادة الإنتاج من أوبك+
أعلنت مجموعة أوبك+، التي تضم منظمة أوبك وحلفاءها مثل روسيا، يوم الاثنين عن خطة لزيادة الإنتاج بمقدار 138,000 برميل يوميا اعتبارا من أبريل، وهي أول زيادة في الإنتاج منذ عام 2022.
ويعتبر هذا القرار خطوة تدريجية لتفكيك التخفيضات التي نفذتها المجموعة والتي بلغت حوالي 6 ملايين برميل يوميا، أي ما يقارب 6% من الطلب العالمي، ويترقب المستثمرون تأثير هذه الزيادة على التوازن بين العرض والطلب، إذ يمكن أن يؤدي إفراط العرض إلى ضغط إضافي على الأسعار، خصوصا إذا لم يرافقه نمو ملحوظ في الطلب العالمي.
بيانات الطلب العالمي والتحديات الاقتصادية
تواجه الأسواق مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي نتيجة للتوترات التجارية والسياسات الحمائية، وهو ما قد يؤثر سلبا على الطلب على النفط.
فقد أظهرت بيانات من وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي قد يتجاوز العرض بمعدل 600,000 برميل يوميا هذا العام، لكن توقعات النمو الاقتصادي الضعيف قد تضعف هذه الفجوة. وفي ظل هذه التحديات، ينظر إلى أي تغييرات في مستويات الطلب على أنها مؤشر حاسم على مدى استمرار أسعار النفط أو انخفاضها في المستقبل القريب.
استخدام روسيا للعملات الرقمية في تجارة النفط
تجاوز العقوبات باستخدام العملات الرقمية
في سياق منفصل، كشفت تقارير جديدة أن روسيا تعتمد على العملات الرقمية لتسهيل تداولاتها النفطية مع الصين والهند، وذلك كوسيلة لتجاوز العقوبات الغربية. وفقا لمصادر مطلعة، تستخدم بعض الشركات النفطية الروسية عملات رقمية مثل البيتكوين والإيثيريوم والعملات المستقرة مثل Tether لتسهيل تحويل اليوان الصيني والروبية الهندية إلى الروبل الروسي. يعتبر هذا الإجراء جزءا صغيرا ولكنه في تزايد في حجم تجارة النفط الروسية، التي قدرت قيمتها بحوالي 192 مليار دولار في العام الماضي.
آلية العمل بالدولارات الرقمية
تشير التقارير إلى أن هذه العملية تتم عبر سلسلة من الخطوات؛ حيث يقوم المشتري الصيني بدفع مبلغ بعملته المحلية (اليوان) لشركة وساطة تقوم بتحويل المبلغ إلى عملة رقمية، تنقل بعد ذلك إلى حساب آخر في روسيا ويتم تحويلها إلى الروبل.
وقد ذكرت المصادر أن بعض صفقات تداول النفط الروسية باستخدام العملات الرقمية تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات شهريا. ورغم أن العملات التقليدية لا تزال تشكل الجزء الأكبر من معاملات النفط الروسية، فإن هذه الحيلة تبرز كأحد الوسائل الناشئة لتجاوز العقوبات وتعزيز سرعة وكفاءة المعاملات.
المخاطر والفرص في استخدام العملات الرقمية
يعتبر استخدام العملات الرقمية في تجارة النفط إحدى الاستراتيجيات التي ساعدت دول مثل إيران وفنزويلا في الحفاظ على نشاطاتها التجارية رغم العقوبات الأمريكية.
وفي هذا السياق، يشير أحد الباحثين إلى أن النظام الذي تبنته روسيا يشمل عدة آليات، ويعد USDT (Tether) أحد الأدوات المستخدمة، لكنه ليس الوحيد.
على الرغم من أن منصة Garantex الروسية قد وضعت تحت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مؤخرا، فإن استخدام العملات الرقمية يظل خيارا مهمًا للتغلب على القيود المصرفية وتسهيل التحويلات المالية عبر الحدود.
ختاما في ظل تقلبات سوق النفط التي تشهدها الأسواق العالمية، يستمر سعر النفط في التفاعل مع عدة عوامل متداخلة؛ فمن جهة، يعاني السوق من ضغوط العرض الناجمة عن زيادة الإنتاج من قبل أوبك+ وتأثير السياسات التجارية الحمائية التي تتبعها الإدارة الأمريكية، مما يزيد من حالة عدم اليقين بشأن النمو الاقتصادي العالمي.
ومن جهة أخرى، تعتمد روسيا على استخدام العملات الرقمية كوسيلة مبتكرة لتجاوز العقوبات وتحسين سرعة وكفاءة تداولاتها النفطية مع الصين والهند.
تتداخل هذه العوامل لتخلق بيئة اقتصادية وسياسية معقدة، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمسار أسعار النفط بدقة، فيما يبقى المستثمرون في حالة ترقب لتطورات جديدة قد تعيد تشكيل معالم السوق في الأشهر القادمة.
اقرأ أيضا…