تراجع الدولار وسط تحديات اقتصادية وسياسات تجارية جديدة

تشهد الأسواق المالية حالة من الثبات في مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، حيث ظل الدولار يتداول دون تغير كبير، ويعود هذا الاستقرار جزئيا إلى انخفاض عائد سندات العشر سنوات الأمريكية بمقدار 4 نقاط أساس، مما يضعف الدولار نسبيا، وكما يستفيد اليورو من دعم إضافي جاء نتيجة للنتائج الانتخابية في ألمانيا التي صدرت يوم الأحد.
جدول البيانات الاقتصادية الأمريكية المنتظرة
يتطلع المتداولون في الأسواق إلى سلسلة من البيانات الاقتصادية الهامة القادمة خلال الأسبوع، ومن المتوقع أن يظهر مؤشر ثقة المستهلك الذي تصدره Conference Board انخفاضا قدره 1.4 نقطة ليصل إلى 102.7 يوم الثلاثاء.
كما يتوقع أن يظهر تقرير الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع ارتفاعا بنسبة 2.3% (ربع سنوي على أساس سنوي) مع زيادة بنسبة 4.1% في الاستهلاك الشخصي، وذلك يوم الخميس.
وفي يوم الجمعة، ستصدر بيانات مؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي (PCE)، الذي يعتبر المؤشر المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم، ومن المتوقع أن تسجل قراءة سنوية أقل قليلا لتصل إلى 2.5% مقابل 2.6% في ديسمبر، مع تخفيف الطابع الأساسي إلى 2.6% من 2.8%.
الإجراءات التجارية الجديدة وتأثيرها على الأسواق
أطلقت إدارة الرئيس ترامب مؤخرا مجموعة من الإجراءات ضد الصين، حيث اقترحت فرض رسوم على استخدام السفن التجارية المصنعة في الصين.
كما أصدر ترامب مذكرة إلى لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) لتقييد استثمارات الصين في قطاعات رئيسية مثل التكنولوجيا والأغذية والأراضي الزراعية والمعادن والموارد الطبيعية والموانئ ومحطات الشحن.
وتظهر هذه الإجراءات محاولة لإعادة تشكيل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، رغم أن السوق يتوقع أن تطبق بشكل تدريجي، مما قد يخفف من تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي.
توقعات أسعار الفائدة والتحولات التاريخية
يركز المتداولون أيضا على التوقعات بشأن أسعار الفائدة، إذ يقدر أن فرص تخفيض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع المقبل للجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) في الفترة من 18 إلى 19 مارس تبلغ حوالي 2%.
ويستشهد المحللون بتجارب سابقة، حيث بدأت فترة ولاية ترامب الأولى عام 2017 بنمط مماثل، مع وعود بتحديد معالم للتجارة لم تظهر حتى عام 2018. في تلك الفترة، لم تتسارع الرسوم الجمركية حتى تم رفعها في وقت لاحق، كما أعاد انتعاش النمو العالمي في أوروبا والصين تشكيل توقعات السوق.
تأثير السياسات النقدية الدولية والتوقعات المستقبلية
يُشير استراتيجي العملات في بنك Monex Europe إلى أنه من غير المرجح أن يستمر الدولار في الانخفاض بشكل كبير، إذ يتوقع أن تكون تخفيضات أسعار الفائدة المتوقعة من الاحتياطي الفيدرالي محدودة، حيث توحي معدلات المقايضة بتخفيضات بمقدار 1.5 نقطة أساس خلال العام، في ظل استمرار التضخم وعدم وضوح التأثيرات التجارية.
وفي ظل هذا السياق، يتوقع أن يرتفع اليورو مقابل الدولار، مع استمرار تخفيض أسعار الفائدة في الاتحاد الأوروبي بصورة أكثر سلاسة.
نظرة شاملة وتوقعات مستقبلية
يشير المحللون إلى أن التاريخ قد يشابه نفسه إلى حد ما؛ إذ كانت هناك فترة مشابهة في عام 2017 عندما بدأ ترامب ولاحظت الأسواق تراجع الدولار تدريجيا بعد وعود بتغييرات تجارية لم تتحقق فورا.
واليوم، رغم استمرار تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية الإضافية، إلا أن السوق يبدو متشككا بشأن مدى تأثيرها الفعلي، مما جعل التوتر التجاري يخفض من قيمة الدولار.
بالمقابل، تظهر البيانات الاقتصادية المنتظرة ومحادثات السياسة النقدية، مثل تصريحات بنك اليابان ودور بنك الاحتياطي الفيدرالي، أن الأسواق ستظل مراقبة عن كثب لأي تغيير قد يؤثر على اتجاه الدولار.
في ظل هذه البيئة المتقلبة، يتطلع المستثمرون إلى متابعة التطورات الاقتصادية والسياسية، إذ إن أي تغير في السياسات التجارية أو التضخمية قد يشكل نقطة تحول في مسار الدولار على المدى القريب.
ختاما في الوقت الذي يستمر فيه الدولار الأمريكي في مواجهة ضغوط بسبب انخفاض عائد سندات العشر سنوات وتهديدات الرسوم الجمركية الجديدة، تبقى التوقعات متوازنة بين المخاوف التجارية والبيانات الاقتصادية التي تشير إلى تباطؤ النمو المحتمل.
ومع انتظار المستثمرين لبيانات اقتصادية مهمة مثل مؤشر ثقة المستهلك والناتج المحلي الإجمالي ومؤشر أسعار الإنفاق الاستهلاكي، ستشكل هذه المؤشرات مستقبل السياسات النقدية والاقتصادية في الولايات المتحدة.
تاريخيا، مر الدولار بفترات من الضعف التي أعقبتها تحولات في السياسات الاقتصادية، مما يعطي تلميحات إلى أن الوضع الحالي قد يكون مؤقتا، لكن حتى تتضح الصورة، سيظل المستثمرون حذرين في تقييم أثر هذه العوامل المتشابكة على سعر الدولار.
اقرأ أيضا…