انخفاض الدولار في ظل تراجع المستثمرين ومخاوف الرسوم الجمركية

يشهد سعر الدولار الأمريكي انخفاضا ملحوظا، حيث يستمر في التراجع لأسابيع متتالية وسط تراجع المراكز الشرائية بعد بدء الفترة الثانية من ولاية ترامب.
فقد بدأ الدولار يتجه نحو أدنى مستوياته لعام 2025، في ظل اعتقاد المستثمرين بأن تهديدات التعريفات الجمركية التي أعلن عنها ترامب ليست إلا مجرد تكهنات رئاسية لا تحمل تأثيرات كبيرة على الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب تباطؤ في الدعم من قبل السوق بسبب بيانات اقتصادية متقلبة.
تأثير المخاوف التجارية والجيوسياسية
أدت تصريحات ترامب حول فرض تعريفات جديدة إلى تراجع الطلب على الدولار، خاصة بعد أن هدد الرئيس بفرض تعريفات على واردات منتجات مثل الأخشاب والسيارات وأشباه الموصلات والأدوية.
ورغم أن هذه التهديدات لا تزال تتراوح ضمن نطاق الوعود الرئاسية دون أن تطبق بشكل شامل، فإنها أثرت على معنويات المتداولين.
ووفقا لمحلل العملات في بنك كومرتس بنك، فإن التراجع الحالي في سعر الدولار أقل حدة مما حدث عندما أعلن ترامب عن تعريفات على المكسيك وكندا في يناير، مما يشير إلى أن السوق قد بدأت تتكيف مع هذه السياسات وتعتبرها أقل تأثيرًا مما كان يُخشى في البداية.
تأثير البيانات الاقتصادية على الدولار
ساهمت بيانات مبيعات التجزئة الأمريكية التي جاءت أضعف من المتوقع في تخفيض سعر الدولار، حيث ينظر إلى هذه البيانات كدليل على احتمالية تباطؤ النمو الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك، أثرت بيانات أسعار المستهلك (CPI) التي أظهرت معدلات تضخم مرتفعة في خلق حالة من عدم اليقين حول مسار السياسات النقدية.
وفي ظل هذه الظروف، يظل الدولار يعاني من تراجع متواصل؛ فقد انخفض مؤشر الدولار بنسبة 0.4% ليصل إلى حوالي 106.79 نقطة، وهو ما يعكس توقعات بتراجع الدولار مع استمرار عدم اليقين حول السياسات الاقتصادية القادمة.
تأثير التحركات في العملات الأخرى
تأثرت قيمة الدولار أيضًا بتحركات العملات الأخرى، حيث شهد الدولار تذبذبات متفاوتة أمام اليورو والجنيه الإسترليني والين والدولار الكندي. ففي حالة اليورو، فقد تراجع إلى مستوى 1.0467 دولار بعد أن بدأ اليوم عند 1.0503 دولار عند إغلاق الأسواق الأمريكية يوم الخميس، لكن تبقى مستويات اليورو متقاربة مع مستويات الصباح التي سجلت 1.0441 دولار.
وفي حالة الجنيه الإسترليني، تراجع إلى 1.2641 دولار بعد أن كان عند 1.2670 دولار عند إغلاق الأسواق، بينما كانت البيانات الاقتصادية البريطانية تشير إلى تحسن في مبيعات التجزئة، رغم تباطؤ النمو السنوي.
أما بالنسبة للين الياباني، فقد ارتفع الدولار مقابل الين إلى 150.38 ين، متأثرا بتسارع نمو أسعار المستهلكين اليابانيين وزيادة مؤشرات التصنيع والخدمات، وهو ما رفع من توقعات رفع أسعار الفائدة في اليابان خلال الاجتماع القادم للبنك المركزي الياباني المقرر عقده في مارس.
وفي حالة الدولار الكندي، ارتفع الدولار الأمريكي إلى 1.4194 دولار مقابل الدولار الكندي، مقارنة بمستوى 1.4174 عند الإغلاق، فيما تترقب الأسواق بيانات مبيعات التجزئة الكندية للوهلة المقبلة.
تأثير التصريحات السياسية والتوترات الدولية
لم تقتصر العوامل المؤثرة على البيانات الاقتصادية فقط، بل لعبت التصريحات السياسية أيضا دورا حاسما.
فقد أثارت تصريحات ترامب التي تناولت إمكانية توقيع صفقة تجارية جديدة مع الصين وترقب زيارة محتملة لرئيس الصين، إضافة إلى تهديداته بفرض تعريفات متبادلة، حالة من عدم اليقين أثرت على سعر الدولار.
كما أدت التصريحات المثيرة حول النزاع مع أوكرانيا إلى تراجع المستثمرين عن تحميل الدولار مراكز جديدة، مما زاد من الضغط على العملة الأمريكية.
وأشار بعض المحللين إلى أن السوق يبدو أنه فقد الثقة جزئيا في التوقعات التي تدعم قوة الدولار، خاصة مع تراجع الدعم من جانب الأرباح الربع سنوية القوية والبيانات الاقتصادية التي تشير إلى استمرار النمو دون تأثير كبير من التعريفات الجمركية.
ويعتبر هذا التراجع في سعر الدولار إشارة إلى تحول في معادلة الثقة العالمية، حيث بدأ المستثمرون يتجهون نحو ملاذات آمنة بديلة في ظل التوترات الجيوسياسية والتجارية.
ختاما يظل الدولار الأمريكي يعاني من ضغوط متعددة نابعة من المخاوف التجارية، والتوترات الجيوسياسية، والبيانات الاقتصادية المخيبة للتوقعات.
مع استمرار تهديدات التعريفات الجمركية التي يتوقع أن تكون أقل تأثيرا مما كان يخشى في البداية، فضلا عن ضعف الطلب على الدولار نتيجة لبيانات النمو الاقتصادي المتقلبة، يبقى سعر الدولار في وضعية ضعف نسبي.
وتتداخل هذه العوامل لتشكل بيئة معقدة على الأسواق العالمية، حيث يتطلع المستثمرون إلى المزيد من الوضوح حول سياسات التجارة والنمو الاقتصادي المستقبلي لتحديد اتجاهاتهم الاستثمارية في الأشهر القادمة.
في هذا السياق، يبقى من الضروري متابعة التطورات الاقتصادية والسياسية عن كثب، إذ أن كل تغيير قد يؤثر بشكل مباشر على قيمة الدولار وأسواق العملات العالمية.
اقرأ أيضا…