ارتفاع الذهب إلى مستويات قياسية وسط مخاوف التعريفات وحالة عدم اليقين

يشهد سوق الذهب حاليا تحولا تاريخيا منذ تجاوز المعدن الأصفر لأول مرة مستوى 3,000 دولار للأونصة، وهو إنجاز طال انتظاره في ظل توتر العلاقات التجارية والتحديات الجيوسياسية التي تجتاح العالم.
فقد أدى تصاعد المخاوف بشأن تأثير التعريفات الجمركية، خصوصًا تلك التي يفرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى دفع المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن يحميهم من التقلبات الاقتصادية.
واستمرت الارتفاعات التاريخية للذهب مع تسجيله لأرقام قياسية متعددة خلال الفترة الماضية، مما يعكس رغبة المستثمرين في تنويع محافظهم والابتعاد عن المخاطر المرتبطة بالأسواق التقليدية.
العوامل الداعمة للارتفاع التاريخي للذهب
في ظل ازدياد حدة التوترات التجارية وتفاقم المخاوف من الركود الاقتصادي، أصبح الذهب يحتل مكانة مركزية بين الأصول الآمنة. فقد تجاوز سعر الذهب مستوى 3,000 دولار للأونصة يوم 14 مارس بعد أن وصل إلى رقم قياسي جديد بلغ 3,018.66 دولار خلال جلسة التداول.
وقد ارتفع الذهب الفوري بنسبة 0.6% ليصل إلى 3,017.84 دولارًا للأونصة وقت نشر هذا التقرير. كما أن ارتفاع الذهب لم يكن مجرد تصاعد مؤقت، بل سجل المعدن الأصفر ما يزيد عن 14 ارتفاعا قياسيا خلال هذا العام، منها أربعة تجاوزت حاجز 3,000 دولار، مما يدل على قوة الطلب على الذهب كأصل يحمي المستثمرين في أوقات عدم اليقين.
تأثير المخاوف التجارية والجيوسياسية
يعتبر الذهب ملاذا آمنا في أوقات الاضطراب السياسي والاقتصادي. فقد أسهمت السياسات الحمائية التي ينتهجها الرئيس ترامب، والتي تتضمن فرض تعريفات جمركية على واردات السلع من كندا والمكسيك والصين، في زيادة حالة عدم اليقين التي تؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.
وفي ظل هذه البيئة، لجأ المستثمرون إلى الذهب الذي يعتبر ملاذا يحميهم من تأثير ارتفاع التضخم وتراجع النمو. كما أن الاضطرابات السياسية في مناطق مثل الشرق الأوسط، التي تزيد من حالة المخاطر، أدت إلى تعزيز الطلب على الذهب، مما ساعد في دفع سعره إلى مستويات قياسية.
آراء وتحليلات الخبراء
أشارت تقارير من بنك ANZ إلى أن توقعات أسعار الذهب قد تم رفعها؛ حيث ارتفعت التوقعات لمدة ثلاثة أشهر إلى 3,100 دولار للأونصة، في حين بلغت التوقعات لمدة ستة أشهر 3,200 دولار.
وأكد المحللون أن هذا الدعم يأتي من عوامل عدة، من ضمنها التصعيد المتواصل للتوترات الجيوسياسية، وتراجع أسعار الفائدة المتوقع مع استمرار سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في دعم الاقتصاد، فضلا عن ارتفاع الطلب من البنوك المركزية على الأصول الآمنة.
كما أفاد محلل من مجلس الذهب العالمي (WGC) بأن استمرار الذهب فوق مستوى 3,000 دولار قد يشجع المزيد من عمليات الشراء، مما سيزيد من قوة الارتفاع في الأسعار.
قال أحد المحللين: “يتوقف استمرار الاتجاه الصعودي للذهب على بقاء عوامل عدم اليقين الاقتصادي والسياسي مرتفعة، مما يحفز المستثمرين على زيادة المراكز في الذهب كأصل للتحوط ضد المخاطر.”
وأضاف محلل آخر من بنك ANZ: “إن الارتفاع التاريخي الذي يشهده الذهب يمثل دليلا قويا على أن المستثمرين لا يزالون يبحثون عن الأمان وسط التقلبات الشديدة في الأسواق المالية، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار الدعم الفني للذهب حتى في ظل احتمال حدوث بعض عمليات جني الأرباح قصيرة الأجل.”
توقعات السوق المستقبلية
يتوقع أن يستمر سعر الذهب في الارتفاع إذا ما ظل الطلب الآمن قويا، خصوصًا في ظل التوترات المستمرة في السياسات التجارية وحالة عدم اليقين التي تشهدها الأسواق العالمية.
ومع استمرار توقعات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، سيظل الذهب خيارا جذابا للمستثمرين الراغبين في حماية محافظهم من ارتفاع معدلات التضخم وتقلبات الأسواق المالية.
كما أن دعم الطلب من قبل البنوك المركزية، إلى جانب الارتفاع المستمر في بيانات الطلب العالمي على الأصول الآمنة، يعزز من آفاق استمرار الارتفاع في سعر الذهب، مما قد يدفعه إلى تسجيل مستويات قياسية جديدة في المستقبل القريب.
ختاما يظهر أداء الذهب في الفترة الأخيرة قوة ومرونة هذا الأصل في مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية العالمية، حيث تمكن من تجاوز حاجز الـ3,000 دولار للأونصة وتسجيل عدة ارتفاعات قياسية على مدار العام.
ويعزى هذا النجاح إلى التوترات التجارية المتصاعدة وسياسات الحماية التي يتبعها الرئيس ترامب، إلى جانب توقعات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مما يدعم جاذبية الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين.
ومع استمرار تطورات المخاوف الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية، يبقى الذهب أحد أهم الأصول التي يلجأ إليها المستثمرون لحماية رؤوس أموالهم، مما يجعل متابعة تحركاته أمرا ضروريا لفهم ديناميكيات الأسواق العالمية في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا…